أن حضر أجله، وله نحو من تسع عشرة سنة، فمرض بالقولنج، واشتد مرضه. فدخل إليه طبيبه ابن سكرة اليهودي، وقال له سرا: يا مولانا شفاؤك في الخمر، فإن رأيت أن تأذن لي في حمله في كفي، بحيث لا يطلع اللالا، ولا شاذبخت، ولا أحد من خلق الله على ذلك. فقال: يا حكيم، كنت والله أظنك عاقلاً. ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها " وما يؤمنني أن أموت عقيب شربها فألقى الله، والخمر في بطني، والله لو قال لي ملك من الملائكة: إن شفاءك في الخمر لما استعملته.
حكي لي ذلك والدي عن ابن سكرة الطبيب.
ولما أيس من نفسه أحضر الأمراء والمستحفظين، وأوصاهم بتسليم البلد إلى ابن عمه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي، واستحلفهم على ذلك، فقال لهم بعضهم: إن عماد الدين ابن عمك أيضاً، وهو زوج أختك، وكان والدك يحبه ويؤثره، وهو تولى تربيته، وليس له غير سنجار، فلو أعطيته البلد لكان أصلح، وعز الدين له من البلاد من الفرات إلى همذان، ولا حاجة له إلى بلدك، فقال له: إن هذا لم يغب عني، ولكن قد علمتم أن صلاح الدين، قد تغلب على البلاد الشامية، سوى ما بيدي، ومتى سلمت حلب إلى عماد الدين يعجز عن حفظها، وإن ملكها صلاح الدين لم يبق لأهلنا معه مقام، وإن سلمتها إلى عز الدين أمكنه حفظها بكثرة عساكره وبلاده. فاستحسنوا هذا القول منه، وعجبوا من حسن رأيه مع شدة مرضه، وصغر سنه.
ثم مات يوم الجمعة خامس وعشرين شهر رجب، من سنة سبع وسبعين وخمسمائة. ودفن بقلعة حلب، إلى أن ابتنت والدته الخانكاه تجاه القلعة، ونقل إليها في أيام، فسير الأمراء: جورديك، والبصيري وبرغش، وجمال الدين شاذبخت، النوريون، مع جماعة المماليك النورية، إلى عز الدين، يستدعونه، وجددوا الأيمان فيما بينهم له.