ولما تقرر الصلح، أخرج الملك الصالح إلى الملك الناصر أخته بنت نور الدين، وكانت طفلة صغيرة، فأكرمها، وحمل لها شيئاً كثيراً، وقال لها ما تريدين؟ قالت: أريد قلعة عزاز وكانوا قد علموها ذلك فسلمها إليهم.
ورحل إلى بلد الإسماعيلية، وحصرهم، ثم صالحهم بوساطة خاله محمود بن تكش، وسار بعساكره إلى مصر. وكان في شروط الصلح أن يطلق عز الدين جورديك، وشمس الدين علي ابن الداية، وأخواه سابق الدين، وبدر الدين. فسار أولاد الداية إلى الملك الناصر، فأكرمهم، وأنعم عليهم. وأما جورديك، فأقام في خدمة الملك الصالح، وعلم الجماعة براءته مما ظنوا به.
وعصىغزس الدين قلج في تل خالد لأنه نسب إليه أمر أوجب وحشته، فحصل فيها بماله، وحصنها، فخرج إليه سعد الدين كمشتكين بالعسكر، ومعه طمان، فحصره مدة، فسير، واستشفع بالملك الناصر، فشفع فيه إلى الملك الناصر، فقبل الشفاعة وأمنه، فخرج بماله وأهله، وحاشيته، ومضى إلى منبج، فنزل بها عند الدويل، وكان الملك الناصر قد أقطعه إياها، وكان ذلك في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة.
وفي هذه السنة، أظهر أهل جبل السماق الفسق والفجور، وتسموا بالصفاة، واختلط النساء والرجال في مجالس الشرب، ولا يمتنع أحدهم من أخته ولا بنته، ولبس النساء ثياب الرجال، وأعلن بعضهم بأن سناناً ربه. فسير الملك الصالح إليهم عسكر حلب، فهربوا من الجبل وتحصنوا في رؤوس الجبال، فأرسل سنان، وسأل فيهم، وأنكر حالتهم، وكانوا قد نسبوا ذلك إليه، وأنهم فعلوا ذلك بأمره، فأشار سعد الدين بقبول شفاعته فيهم، وعاد العسكر عنهم.