وقال لمن عنده: تعلمون ما جرى لي يومنا هذا؟ لا، قال: لما فتحنا الرها مع الشهيد وقع بيدي من النهب جارية رائقة أعجبني حسنها ومال قلبي إليها، فلم يكن بأسرع من أن أمر الشهيد فنودي برد السبي والمال المنهوب، وكان مهيباً مخوفاً، فرددتها وقلبي متعلق بها، فلما كان الآن جاءتني هدية نور الدين وفيها عدة جوار منهن تلك الجارية، فوطئتها خوفاً أن يقع مثل تلك الدفعة.
وشرع نور الدين رحمه الله في صرف همته إلى الجهاد، فدخل في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، إلى بلد الفرنج، ففتح أرتاح بالسيف، ونهبها. وفتح حصن ما بولة، وبسرفوث، وكفرلاثا وهاب.
وكان الفرنج بعد قتل والده قذ طمعوا وظنوا أنهم يستردون ما أخذه، فلما رأوا من نور الدين الجد في أول أمره، علموا بعدما أملوه.
وخرج ملك الألمان ونزل على دمشق، في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وسار لنجدتها سيف الدين غازي من الموصل، ونور الدين محمود، فوصلا إلى حمص.
وتوجه نور الدين إلى بعلبك، واجتمع بمعين الدين أنر بها، ورحل ملك الألمان عن دمشق، وكان صحبته ولد الفنش، وكان جده قد أخذ طرابلس من المسلمين. فأخذ ولد الفنش هذا حصن العريمة من الفرنج، وعزم على أخذ طرابلس من القمص، فأرسل القمص إلى نور الدين إلى بعلبك يقول له في قصد حصن العريمة وأخذه من ولد الفنش.