أرجلهم الحبال، وسحبوهم مقابل المسلمين.

وجعلوا يقولون: هذا نبيكم محمد! وآخر يقول: هذا عليكم! وأخذوا مصحفاً من بعض المشاهد بظاهر حلب وقالوا: يا مسلم أبصر

كتابكم. وثقبه الفرنجي بيده، وشده بخيطين، وعمله ثفراً لبرذونه، فظل البرذون يروث عليه، وكلما أبصر الروث على المصحف صفق بيديه وضحك عجباً وزهواً.

وأقاموا كلما ظفروا بمسلم قطعوا يديه ومذاكيره ودفعوه إلى المسلمين، والمسلمون يفعلون بمن يأسرونه من الفرنج كذلك.

وربما شنق المسلمون بعضهم، ويخرج الغزاة من باب العراف، ويسرقونهم من المخيم، ويقطعون عليهم الطرق، ويقتلون ويأسرون. ويصيح المسلمون على دبيس من الأسوار: دبيس، يا نحيس! والرسل تتردد بينهم في الصلح، ولا يستتب إلى أن ضاق الأمر بالمسلمين جداً.

وكان بحلب بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار والحاجب عمر الخاص، ومعهما مقدار خمسمائة فارس، والذي يتولى تدبيرها وهو في مقام الرئاسة القاضي أبو الفضل بن الخشاب وتولى حفظ المكان وبذل المال والغلال.

فاتفقوا على أن سيروا جد أبي قاضي حلب القاضي أبا غانم محمد بن هبة الله ابن أبي جرادة ونقيب الأشراف وأبا عبد الله بن الجلي فخرجوا ليلاً، ومضوا إلى تمرتاش إلى ماردين مستصرخين إليه ومستغيثين به فوجدوه وقد مات أخوه سليمان ابن إيلغازي صاحب ميافارقين في شهر رمضان، وسار تمرتاش إلى بلاده ليملكها، واشتغل بملك تلك البلاد عن حلب.

وكانت الرسل مترددة بينه وبين أق سنقر البرسقي صاحب الموصل في اتفاق الكلمة على قصد الفرنج وكشفهم عن حلب، فاشتغل بهذا الأمر عن هذا التقرير، والحلبيون عنده يفنيهم ويمطلهم. ولما خرج الحلبيون من حلب بلغ الفرنج ذلك فسيروا خلفهم من يلحقهم، فلم يدركهم وأصبحوا في صباح تلك الليلة وصاحوا إلى أهل حلب: أين قاضيكم؟ وأين شريفكم؟. فأسقط في أيديهم إلى أن وصل منهم كتاب بخبر سلامتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015