شرف الدولة أبي المكارم مع سابق، وكان يسير إليه في الباطن بما يقوي
نفسه، وكان ينكر على بني كلاب خلطتهم بعسكر الترك.
فاستأذن بنو كلاب تاج الدولة في رحيل الطعون فأذن لهم فأحس شرف الدولة أبو المكارم بتغير النية فيه، وتحقيق التهمة به من مراسلة سابق وأهل حلب، فاستأذن تاج الدولة في الرحيل، ورحل وجعل عبور عسكره على باب حلب، وباع أصحابه أهل حلب كل ما كان في العسكر عصبية وتقوية لهم، وقوى نفوسهم ونفس سابق.
وسار بعد أن قوي أهل حلب بما ابتاعوه من عسكره بعد الضعف الشديد إلى بلاده، وأشار على مبارك ووثاب وشبيب بالاحتياط على أنفسهم أو الهرب إلى حلب.
ولم يك بقي مع تاج الدولة من بني كلاب غيرهم في نفر يسير، فكاتبهم سابو وتألفهم وقال لهم: " إني إنما أذب وأحامي عن بلادكم وعزكم، ولو صار هذا البلد إلى تتش لزال ملك العرب وذلوا " وجرت أمور أوحشتهم من الأتراك، فهربوا إلى حلب بعد أن قتل أصحابهم قبل الهزيمة وبعدها، وصاروا إلى سابق.
وكتب سابق إلى الأمير أبي زائدة محمد بن زائدة قصيدة من شعر وزيره أبي نصر بن النحاس، يعرفه ما هو فيه من الضيق، ويسأله الإقبال عليه والقيام بمعونته ويحذره من التخلف عنه، فيكون ذلك مسبباً لزوال ملك العرب، ويعتب عليه في التوقف عنه فيما كان جرى مع أحمد شاه التركي، والقصيدة هي:
دعوت لكشف الخطب والخطب معضل ... فلبيتني لما دعوت مجاوباً
ووفيت بالعهد الذي كان بيننا ... وفاء كريم لم يخن قط صاحب
وما زلت فراجاً لكل ملمة ... إذا المحرب الصنديد ضجع هائباً
فشمر لها وانهض نهوض مشيع ... له غمرات تستقل النوائباً
وقل ل " كلاب ": بدد الله شملكم ... أويحكم ماتتقون المعايبا!
أتستبدلون الذل بالعز ملبساً ... وتمسون أذناباً وكنتم ذوائباً