وأيس مكين الدولة بن ملهم وركن الدولة والي القلعة، من حلب ومن نجدة تصل إليهما من مصر بعد هذه الكسرة فأنفذا من استحلف محمود بن
نصر على شروط اشترطاها عليه، وسلما إليه القلعة في عاشر شعبان من هذه السنة، بعد أخذا أولاد بني كلاب: ولد محمود بن نصر، وولد شبل بن جامع، وولد محمود زائدة، وولد منصور بن زغيب، وجعلاهم في حصن أفامية رهينة على أنفسهما وعسكرهما وأموالهما ثم سيرهم مع الأمراء في الروج إلى أفامية سالمين، وأخذ أولادهم الرهائن ورجعوا إلى حلب.
وأما ناصر الدولة، فبقي في أسر محمود إلى أن قدم البلد عمه معز الدولة فاصطنعه منيع بن وثاب، وخلى سبيله في سنة ثلاث وخمسين.
وسير محمود كل من كان في أسره من الأمراء والقواد إلى مصر، بعد أن أحسن إليهم، وشلت يد ناصر الدولة في وقعة الفنيدق، فلما وصل إلى مصر ولاه المستنصر دمشق، فقال أبو الحسن علي بن عبد العزيز الحلبي الفكيك فيه:
على حلب به حلبت دماء ... وحكم فيكم الرمح الأصم
وقد أرسلته والي دمشق ... يد شلا وأمر لايتم
وفي ذلك يقول أبو نصر منصور بن تميم بن الزنكل السرميني من قصيدة يذكر فيها مآثر بني كلاب:
أليس هم ردوا ابن حمدان عنوة ... على عقبه لا يتقون العواقبا
أليس ابنه يوم الفنيدق قاده ... دنين أبي كلب وعراه سالبا
ولما أخذ محمود حلب من ابن ملهم، كان عمه معز الدولة بمصر، فصرفه المستنمر عن عكا وبيروت وجبيل، وقال له: إن هذه الأماكن
أخذتها عوضاً عن حلب، وقد عادت إلى ابن أخيك، فتمضي إلى حلب وتستعيدها منه، فقال: إن نوابكم فرطوا فأعينوني بمال فأعانوه على ذلك بمال، وسيروه، وقرروا ألقابه الأجل، الأعز، تاج الأمراء، عماد الملك، سيف الخلافة، عضد الإمامة، بهاء الدولة العلوية، وزعيم جيوشها المستنصرية، علم الدين ذو الفخرين مصطفى أمير المؤمنين.
فعاد معز الدولة إلى حلب وجمع قوماً من عشيرته بعد أن كاتبهم حين وصل إلى حمص فأجابوه ولقيه أكثرهم بحمص وبعضهم بحماة فلما نزل معرة