واندفع البساسيري المتغلب على بغداد إلى الشام، في سنة سبع وأربعين وأربعمائة، منهزماً من طغرلبك، وحصل في أرض الرحبة، ووصل
في قل من الرجال، فلقيه معز الدولة ثمال وأكرمه وحمل إليه مالاً عظيماً.
وحدث بعض العرب من بني كلاب أنهم لم يروا مثله في الشجاعة والمكر والحيلة، وكان إذا ركب معز الدولة قفز إليه، ليمسك له الركاب، ويصلح ثيابه في السرج، وهمت بنو كلاب بالقبض عليه فمنعهم معز الدولة. ثم ندم بعد ذلك فإنه تقدم إلى بالس، وشتى بشط الفرات، واجتمعت إليه العرب والأتراك، ففزع منه معز الدولة، وكان قد عرض عليه معز الدولة أولاً مفاتيح الرحبة فلم يأخذها منه، ثم طلبها منه في هذه الحالة ليجعل فيها ماله وأهله، في سنة ثمان وأربعين، فسلمها معز الدولة إليه.
وكان معز الدولة كريماً معطاء حليماً. فمما يحكى من كرمه: أن العرب اقترحوا عليه مضيرة، فتقدم إلى وكليه أن يطبخها لهم، وسأله: كم ذبحت لأجلها؟. فقال: سبعمائة وخمسين رأساً. فقال: والله لو أتممتها ألفاً لوهبت لك ألف دينار.
واستغنى أهل حلب في أيامه، حتى أن الأمير أبا الفتح بن أبي حصينة امتدحه بقصيدة، شكا فيها كثرة أولاده، وكان له أربعة عشر ولداً، قال فيها:
جنيت على نفسي بنفسي جناية ... فأثقلت ظهري بالذي شب من ظهري
عداد الثريا مثل نصف عدادهم ... ومن نسله ضعف الثريا متى يثري
وأخشى الليالي الغادرات عليهم ... لأن الليالي غير مأمونة الغدر
ولي منك إقطاع قديم وحادث ... تقلبت فيه تحت ظلك من عمري
وما أنا بالممنوع منه ولا الذي ... أخاف عليه منك حادثة تجري
ولكنني أبغيه ملكاً مخلداً ... خلود القوافي الباقيات على الدهر