يقيم خالداً، ويعقله بعمامته، وينزع عنه قلنسوته. حتى يعلمكم من أين أجاز الأشعث، أمن ماله، أم من إصابة أصابها. فإن زعم أنها من إصابة أصابها فقد أقر بخيانة، وإن زعم أنها من ماله، فقد أسرف. واعزله على كل حال، واضمم إليك عمله.
فكتب أبو عبيدة إلى خالد فقدم عليه، ثم جمع الناس، وجلس لهم على المنبر، فقام البريد فقال: " يا خالد، أمن مالك أجزت بعشرة آلاف، أم من إصابة "؟ فلم يتكلم حتى أكثر عليه، وأبو عبيدة ساكت لا يقول شيئاً. فقام بلال إليه فقال: " إن أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا ". ثم تناول عمامته، فنقضها، لا يمنعه سمعاً وطاعة. ووضع قلنسوته، ثم أقامه فعقله بعمامته، ثم قال: ما تقول، أمن مالك أم من إصابة ". قال: " لا بل من مالي " فأطلقه، وأعاد قلنسوته، ثم عممه بيده. ثم قال: " نسمع ونطيع لولاتنا، ونفخم ونحترم موالينا ".
وأقام خالد متحيراً، لا يدري أمعزول أم غير معزول. وجعل أبو عبيدة يكرمه ويزيده تفخيماً ولا يخبره، حتى إذا طال على عمر أن يقدم ظن الذي قد كان. فكتب إليه بالوصول.
فأتى خالد أبا عبيدة فقال: " رحمك الله ما أردت إلى ما صنعت، كتمتني سراً كنت أحب أن أعلمه قبل اليوم لما. فقال أبو عبيدة: " إني والله ما كنت لأروعك ما وجدت من ذلك بداً، وقد علمت أن ذلك يروعك ".
قال: فرجع خالد إلى قنسرين، فخطب أهل عمله، وودعهم. وقال خالد: " إن عمر ولاني الشام حتى إذا ألقى بوانيه وصار بثنية وعسلاً عزلني، واستعمل غيري ".
وتحمل وأقبل إلى حمص فخطبهم، وودعهم. وسار إلى المدينة حتى قدم على عمر فشكاه، وقال: " لقد شكوتك إلى المسلمين وبالله إنك في أمري غير مجمل يا عمر ". فقال عمر: " من أين هذا الثراء. فقال: " من الأنفال والسهمان ". فقال: " ما زاد على الستين ألفاً فلك ". فشاطره على ما في يده وقوم عروضه، فخرجت عليه عشرون ألفاً، فأدخلها بيت المال، ثم قال: يا خالد، والله إنك لعلي