الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: وسعد بن أبي سرح وَهْمٌ أَيْضًا، وَخَطَأٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ سعد بن أبي سرح لَمْ يُعْرَفْ لَهُ إِسْلَامٌ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا ابْنُهُ عبد الله كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِمَكَّةَ، حَتَّى اسْتَأْمَنَ لَهُ عثمان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَأَمَّنَهُ، وَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْبَتَّةَ، فَمَا أَدْرِي مَا هَذَا الْخَطَأُ الْفَاحِشُ
الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: وَكَانَ أبو عامر رَأْسَهُمْ، وَهَذَا وَهْمٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ دُونَ ابْنِ إِسْحَاقَ، بَلْ هُوَ نَفْسُهُ قَدْ ذَكَرَ قِصَّةَ أبي عامر هَذَا فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، أَنَّ أبا عامر لَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ بِبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ خَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطَّائِفِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَمَاتَ بِهَا طَرِيدًا وَحِيدًا غَرِيبًا، فَأَيْنَ كَانَ الْفَاسِقُ وَغَزْوَةُ تَبُوكَ ذَهَابًا وَإِيَابًا
فَصْلٌ
فِي أَمْرِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ الَّذِي نَهَى اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقُومَ فِيهِ
فَهَدَمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ، حَتَّى نَزَلَ بِذِي أَوَانَ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَاعَةٌ، وَكَانَ أَصْحَابُ مَسْجِدِ الضِّرَارِ أَتَوْهُ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ إِلَى تَبُوكَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ الشَّاتِيَةِ، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنَا فَتُصَلِّيَ لَنَا فِيهِ، فَقَالَ: ( «إِنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ وَحَالِ شُغْلٍ، وَلَوْ قَدِمْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَأَتَيْنَاكُمْ فَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ، فَلَمَّا نَزَلَ بِذِي أَوَانَ جَاءَهُ خَبَرُ الْمَسْجِدِ مِنَ السَّمَاءِ، فَدَعَا مالك بن الدخشم أَخَا بَنِي سَلَمَةَ بْنِ عَوْفٍ، ومعن بن عدي العجلاني، فَقَالَ: انْطَلِقَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ فَاهْدِمَاهُ وَحَرِّقَاهُ، فَخَرَجَا مُسْرِعَيْنِ، حَتَّى أَتَيَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُمْ رَهْطُ مالك بن الدخشم، فَقَالَ مالك لمعن: أَنْظِرْنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكَ بِنَارٍ مِنْ أَهْلِي، وَدَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ فَأَخَذَ سَعَفًا مِنَ النَّخْلِ فَأَشْعَلَ فِيهِ نَارًا، ثُمَّ خَرَجَا يَشْتَدَّانِ حَتَّى دَخَلَاهُ ـ وَفِيهِ