ألا لا يجهلن أحدٌ علينا ... فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا
أراد: فنعاقبه بأغلظ من عقوبته. والخامس: أن الاستهزاء من الله تعالى التّخطئة لهم، والتّجهيل، فمعناه: الله يخطّئ فعلهم، ويجهلهم في الإقامة على كفرهم. والسادس: أن استهزاءه: استدراجه إياهم. والسابع: أنه إيقاع استهزائهم بهم، وردّ خداعهم ومكرهم عليهم. ذكر هذه الأقوال محمّد بن القاسم الأنباري. والثامن: أن الاستهزاء بهم أن يقال لأحدهم في النار وهو في غاية الذل: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) «1» . ذكره شيخنا في كتابه. والتاسع: أنه لما أظهروا من أحكام إسلامهم في الدنيا خلاف ما أبطن لهم في الآخرة، كان كالاستهزاء بهم.
قوله: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ. فيه أربعة أقوال: أحدها: يمكِّن لهم، قاله ابن مسعود.
والثاني: يملي لهم، قاله ابن عباس. والثالث: يزيدهم، قاله مجاهد. والرابع: يمهلهم، قاله الزجاج.
والطغيان: الزيادة على القدر، والخروج عن حيز الاعتدال في الكثرة، يقال: طغى البحر: إذا هاجت أمواجه، وطغى السيل: إذا جاء بماء كثير. وفي المراد بطغيانهم قولان: أحدهما: أنه كفرهم، قاله الجمهور. والثاني: أنه عتوهم وتكبرهم، قاله ابن قتيبة.
ويَعْمَهُونَ بمعنى: يتحيرون، يقال: رجل عمه وعامه، أي: متحير. قال الراجز «2» :
ومَخْفَقٍ من لُهلُهٍ ولُهْلُهِ ... من مهمه يجتنبه في مهمه
أعمى الهدى بالجاهلين العُمَّه «3» وقال ابن قتيبة: (يعمهون) يركبون رؤوسهم، فلا يبصرون.
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16)
قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى. في نزولها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها نزلت في جميع الكفار، قاله ابن مسعود، وابن عباس. والثاني: أنها في أهل الكتاب، قاله قتادة والسدي ومقاتل. والثالث: أنها في المنافقين، قاله مجاهد.
واشْتَرَوُا: بمعنى استبدلوا، والعرب تجعل من آثر شيئاً على شيء مشترياً له، وبائعا للآخر.
والضلالة والضلال بمعنى واحد. وفيهما للمفسّرين ثلاثة أقوال: أحدها: أن المراد بها ها هنا الكفر، والمراد بالهدى: الإيمان، روي عن الحسن وقتادة والسدي. والثاني: أنها الشك، والهدى: اليقين.
والثالث: أنها الجهل، والهدى: العلم. وفي كيفية استبدالهم الضلالة بالهدى ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم آمنوا ثم كفروا، قاله مجاهد. والثاني: أن اليهود آمنوا بالنبي قبل مبعثه، فلما بعث كفروا به، قاله مقاتل. والثالث: أن الكفار لما بلغهم ما جاء به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الهدى فردوه واختاروا الضلال، كانوا كمن أبدل شيئا بشيء، ذكره شيخنا علي بن عبيد الله.