وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ «1» أي: وإِنه من أجل حب الخير لبخيل، و «ما» بمعنى المصدر، والكذب منصوب ب «تصف» ، والتّخليص: لا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب. وقرأ ابن أبي عبلة: «الكُذُبَ» ، قال ابن القاسم: هو نعت الألسنة، وهو جمع كذوب. قال المفسرون: والمعنى: أن تحليلكم وتحريمكم ليس له معنىً إِلاَّ الكذب. والإِشارة بقوله: هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ إِلى ما كانوا يُحلُّون ويحرِّمون، لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وذلك أنهم كانوا ينسبون ذلك التحليل والتحريم إِلى الله تعالى، ويقولون: هو أمرنا بهذا.
وقوله تعالى: مَتاعٌ قَلِيلٌ أي: متاعهم بهذا الذي فعلوه قليل.
وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)
قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ يعني به ما ذكر في الأنعام «2» وهو قوله:
وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، وَما ظَلَمْناهُمْ بتحريمنا ما حرَّمنا عليهم، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالبغي والمعاصي.
قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ قد شرحناه في سورة النساء «3» ، وشرحنا في البقرة «4» التوبة والاصلاح، وذكرنا معنى قوله: مِنْ بَعْدِها آنفا.
[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 122]
إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)
قوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قال ابن الأنباري: هذا مثل قول العرب: فلان رحمة، وفلان علاَّمة، ونسَّابة، ويقصدون بهذا التأنيث قصد التناهي في المعنى الذي يصفونه، والعرب قد توقع الأسماء المبهَمة على الجماعة، وعلى الواحد، كقوله: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ «5» ، وإِنما ناداه جبريل وحده.
وللمفسرين في المراد بالأمّة ها هنا ثلاثة أقوال «6» : أحدها: أن الأُمَّة: الذي يعلِّم الخير، قاله ابن مسعود، والفراء، وابن قتيبة. والثاني: أنه المؤمن وحده في زمانه، روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مجاهد. والثالث: أنه الإِمام الذي يُقتدَى به، قاله قتادة، ومقاتل، وأبو عبيدة، وهو في معنى القول الأول. فأما القانت فقال ابن مسعود: هو المطيع، وقد شرحنا «القنوت» في البقرة «7» وكذلك الحنيف «8» .
قوله تعالى: وَلَمْ يَكُ قال الزجاج: أصلها: لم يكن، وإِنما حذفت النون عند سيبويه، لكثرة