قال: هو جمع «نعمة» بشيء، لأن «فِعْلَةَ» لا تجمع على «أفْعُلٍ» ، وإِنما هو جمع «نُعْمٍ» ، يقال: يوم نُعْمٌ، ويوم بُؤْسٌ، ويجمع «أَنْعُماً» ، و «أَبْؤُساً» .
قوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ وروى عبيد بن عقيل، وعبد الوارث عن أبي عمرو: «والخوفَ» بنصب الفاء. وأصل الذَّوق إِنما هو بالفم، وهذا استعارة منه، وقد شرحنا هذا المعنى في آل عمران «1» . وإِنما ذكر اللباس هاهنا تجوُّزاً، لما يظهر عليهم من أثر الجوع والخوف، فهو كقوله: وَلِباسُ التَّقْوى «2» وذلك لما يظهر على المتَّقي من أثر التقوى. قال المفسرون: عذَّبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام المحترقة. فأما الخوف، فهو خوفهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سراياه التي كان يبعثها حولهم. والكلام في هذه الآية خرج على القرية، والمراد أهلها، ولذلك قال: بِما كانُوا يَصْنَعُونَ يعني به: بتكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإِخراجهم إِياه وما همُّوا به من قتله.
وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (113)
قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَهُمْ يعني أهل مكة رَسُولٌ مِنْهُمْ يعني: محمّدا صلى الله عليه وسلم فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وفيه قولان: أحدهما: أنه الجوع، قاله ابن عباس. والثاني: القتل ببدر، قاله مجاهد. قال ابن السائب: وَهُمْ ظالِمُونَ أي: كافرون.
فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115)
قوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ في المخاطَبين بهذا قولان:
أحدهما: أنهم المسلمون، وهو قول الجمهور.
والثاني: أنهم أهل مكة المشركون، لما اشتدت مجاعتهم، كلَّم رؤساؤُهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:
إِن كنتَ عاديتَ الرجال، فما بال النساء والصّبيان؟! فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أن يحملوا الطعام إِليهم، حكاه الثعلبي، وذكر نحوه الفراء. وهذه الآية والتي تليها مفسّرتان في البقرة «3» .
[سورة النحل (16) : الآيات 116 الى 117]
وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (117)
قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ قال ابن الأنباري: اللام في «لِما» بمعنى من أجل، وتلخيص الكلام: ولا تقولوا: هذه الميتة حلال، وهذه البَحيرة حرام، من أجل كذبكم، وإِقدامكم على الوصف، والتخرُّص «4» لما لا أصل له، فجرت اللام ها هنا مجراها في قوله: