وَمن ذَلِك مَا ثَبت فِي
عَابِد لَا يفتر عَن عِبَادَته، وَولى ظَهرت عَلَيْهِ أنوار سعادته. لم يدع وقتا من عمره إِلَّا عمره وَلَا دوحا من الذّكر إِلَّا جنى ثمره، فَضربت عَلَيْهِ الركايب أَرْبَاب السلوك، وَعظم فِي قُلُوب الْأُمَرَاء والملوك، وخطب للسفارة فِي صَلَاح ذَات الْبَين، واتصال أهل العدوتين. وَأما الخطابة فَكَانَ من فرسانها وَذَوي إحسانها، يعبر عَن الوقايع وَالْأَحْوَال. بمختلفات الْأَقْوَال فِي أسلوب جهير، ومقام شهير. وَله خلف متسم بِالْخَيرِ والعفاف، متصف من الدّيانَة بِأَحْسَن الْأَوْصَاف.
الشَّيْخ القَاضِي أَبُو جَعْفَر رَحْمَة الله، شيخ طَالَتْ مصاحبته للنِّسَاء، ومصابحته للإصباح والإمساء، طالما نظر بَين قوى ومسكين، وَذبح بِغَيْر سكين. يقْضِي عمره فِي الْحُقُوق، ويهب بَين الرعود والبروق، قطع فِي ذَلِك زَمَانه، وبذ أقرانه، واكتسب مَالا، وَبلغ فِي الدَّهْر آمالا. ثمَّ أوبقته أشراك الْحمام، وكل شَيْء فَإلَى تَمام. وَله شعر تلوح عَلَيْهِ من الْحسن مسحة، وتنم عَنهُ للطرف نفحة.
شهَاب فِي أفق الدّين متألق، وَسَهْم على فريسة النجَاة محلق، وعارف بأخلاق الرِّجَال متخلق، كثير الانقباض، [معرض عَن الْأَعْرَاض] كلف بِمَا للْقَوْم من الْمَقَاصِد والأغراض، ملازم كسر بَيته [على ذكر] يردده، ولباس أخلاص