النّيل، ضايق الأحباب فِي البرهة، واختطف لَهُم من الشط نزهة الْعين، وَعين النزهة، ونجج بهَا والعيون تنظر، والغمر على الِاتِّبَاع يحظر، فَلم يقدر إِلَّا على الأسف [والتماح] الْأَثر المنتسف، وَالرُّجُوع بملء العيبة من الخيبة، وَوقر الجسرة من الْحَسْرَة. إِنَّمَا أَشْكُو إِلَى الله البث والحزن، ونستبطر من عبراتنا المزن، وبسيف الرجا نصول، إِذا شرعت لليأس النصول:
(مَا أقدر الله أَن يدني على شحط ... من دَاره الْحزن مِمَّن دَاره صول)
فَإِن كَانَ كظم الْفِرَاق رغيبا، لما نَوَيْت مغيبا، وجللت الْوَقْت الهنى تشغيبا، فَلَعَلَّ الْمُلْتَقى يكون قَرِيبا، وَحَدِيثه يرْوى صَحِيحا غَرِيبا، إيه، شقة النَّفس، كَيفَ حَال تِلْكَ الشَّمَائِل المزهرة الخمائل، والشيم الهامية الديم، هَل يمر ببالها من راعت بالبعد باله، وأخمدت بعاصف الْبَين ذباله، أَو ترثى لشون شَأْنهَا، سكب لَا يفتر، وشوق يبت حبال الصَّبْر ويبتر، وضنا تقصر عَن حلله الفاقعة صنعاء وتستر، وَالْأَمر أعظم، وَالله يستر، وَمَا الَّذِي يضيرك صين من لفح السمُوم نضيرك، بعد أَن أضرمت وأشعلت، وَأوقدت وَجعلت، وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت، أَن تترفق بذما، أَو ترد بنغبة مَاء إرماق ظما، وتتعاهد الْمعَاهد بِتَحِيَّة يشم عَلَيْهَا شذا أنفاسك، أَو تنظر إِلَيْنَا على الْبعد بمقلة حوراء من بَيَاض قرطاسك، وَسَوَاد أنفاسك، فَرُبمَا قنعت الْأَنْفس الْمحبَّة بخيال زور، وتعللت بنوال منزور، ورضيت لما لم تصد العنقاء بزرزور:
(يَا من ترحل والنسيم لأَجله ... يشتاق أَن هبت شذا رياها)