تعْتَبر هَذَا التَّنْصِيص، وعممت فَسَمت الشّعْر كل كَلَام يحضرهُ الْوَزْن والقافية، وَيقوم الروي لجنابه مقَام الخافية، وَيخْتَص بِهِ من الأعاريض المتعارفة فروض، وَيقوم بِهِ نظام مَعْرُوف، وَوزن مَفْرُوض. وعددها حَسْبَمَا نقل وأشتهر، خَمْسَة عشر، وَيَقْتَضِي أَكثر من ذَلِك التَّقْسِيم والتفعيل، لَكِن نبا بهم عَن لسانهم المقيل، وَلم يركب منجها القيل، واضطرد على هَذِه الوتيرة الشّعْر، فطما مِنْهُ الْبَحْر الزاخر، وتبعت الأوايل الْأَوَاخِر، وَثبتت فِي ديوانه الوقايع والكواين، والمكارم والمفاخر، وَمَات الْحَيّ، وحيي الْعظم الناخر، فَمَا جنح إِلَى التخييل مِنْهُ والتشبيه، وَحل مَحل الِاسْتِعَارَة بِالْمحل النبيه، لم ينم عَنهُ عرق أَبِيه، وَأغْرقَ فِي بَاب الشّعْر أتم الإغراق، وَكَانَ شعرًا على الْإِطْلَاق. وَمَا قعد عَن دَرَجه، وَلم يعرج على منعرجه، فَهُوَ عِنْدهَا شعر تستحسنه وترتضيه، ويوجبه لساننا ويقتضيه. وَإِذا تقرر هَذَا التَّقْسِيم، وتضوع من روض الْبَيَان النسيم، وبهر الْحق الْوَجْه الوسيم؛ فلنرجع إِلَى غرضي الَّذِي اعتمدته، ومطلبي الَّذِي قصدته. وَلما كَانَ السحر قُوَّة، ظهر فِي النُّفُوس انفعالها، وَاخْتلفت بِحَسب الْوَارِد أحوالها، وتراءى لَهَا فِي صُورَة الْحَقِيقَة خيالها، ويبتدىء فِي هَيْئَة الْوَاجِب مجالها، وَكَانَ الشّعْر يملك مقادتها، ويغلف عَادَتهَا، وينقل هيئتها، ويسهل بعد الاستصعاب جيئتها، ويحملها فِي قده على الشَّيْء وَحده. وَإِذا عضد بِمَا يُنَاسِبه، وتفضى إِلَيْهِ مذاهبه، وقرنت بِهِ الألحان، عظم الْأَثر، وَظَهَرت العبر، فشجع وأقدم؛ وسهر ونوم، وأضحك وأبكى، وَكثير من ذَلِك يحْكى. وَهَذِه قوى سحرية، وَمَعَان بالإصابة إِلَى السحر حريَّة، فَمن الْوَاجِب أَن يُسمى الصِّنْف من الشّعْر، الَّذِي يخلب النُّفُوس ويفزها، وَيسْتَثْنى الأعطاف ويهزها، باسم السحر الَّذِي ظَهرت عَلَيْهِ آثَار طباعه، وَتبين أَنه نوع من أَنْوَاعه. وَمَا قصر عَن هَذِه الْغَايَة القاصية، والمزية الأبية، على المدارك المتعاصية، سمى شعرًا، تخْتَلف أَحْوَاله عِنْد الأعتبار، ويتبين شبهه من النظار.