ودرجته أنه جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول، وجاء إن الرحمة تنزل على الإمام مائة رحمه، فيأخذ من بحياله خلفه مثل ما للإمام، ثم الذي عن يمينه إلى منتهى خمسة وسبعين، ثم الذي عن يساره خمسون، فمن دخل المسجد فوقف في الصف الثاني عن غفلة لم ينل من صلاة الرب عز وجل شيئا، ولا من هذه الرحمة التي وصفت عن ابن عباس رضي الله عنه، فمن دخل فنوي أني لو وجدت مكانا لدخلت في الصف الأول، فبهذه النية استوى هو بالصف الأول، وله مثل أجورهم لما نوى، كأنه فيهم. ثم إذا تمنى أن يدخل في الصف الأول، ونوى ذلك، وامتنع وتحرج مخافة أن يؤذى مسلما، أو يضيق عليه، يضاعف أجره على من في الصف الأول، بما اتقى أذى المسلم.
كذلك روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن النية، وفي شأن التقوى؛ عن أبي كبشة الأنصاري رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أحدثكم حديثا فاحفظوه، إنما الدنيا أربعة نفر: عبد رزقه الله عز وجل فيها مالا وعلما، فهو يتقي الله عز وجل، ويصل رحمه فيه، ويعطي الله عز وجل منه حقه، فهو بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله عز وجل علما، ولم يرزقه مالا، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله عز وجل مالا، ولم يرزقه علما، فهو يتخبط في ماله بغير علم، فلا يتقي فيه ربا، ولا يصل فيه رحما، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل.