حتى تتحرك الجوارح في جميع الجسد في الظاهر والباطن بالحياتين اللتين وضعتا فيهما، والروح نور فيه روح الحياة، والنفس ريح كدرة جنسها أرضية روح الحياة. ووضع الرحمة في الكبد، الرأفة في الطحال، والمكر في الكليتين، وعلم الأشياء في الصدر، وجعل مستقر الذهن في الصدر، ثم هو متفش في البدن كله، والذهن يقبل العلم جملة، وقرينه الحفظ، وجعل في ناصيته الفهم، وجعل له طريقاً إلى عين الفؤاد، فالحفظ مستودع العلم، فإذا أحتاج الفؤاد إلى شيء لحظ إلى الحفظ، فأبرز له علم ذلك الشيء المستودع الذي قد تعلمه. وجعل ماء الذرية في صلبه، فمنه ماء أخذ عليه الميثاق يوم أخرجهم من الظهور، فعرضهم على آدم صلى الله عليه وسلم، ومنه ماء لم يؤخذ عليه الميثاق، وجعل مجراه من صلبه إلى نفسه. ووضع الفرح في قلبه، وجعل مجراه إلى صلبه، لتتأدى حرارة ذلك الفرح إلى الصلب، فتذيب ماء الصلب، فبقوة هذا الفرح يخرج ذلك الماء، فيدفق به، وإنما صار دفقاً لقوة الفرح، وهبوب رياحها، وضيق المخرج، فإذا افتقد الإنسان الفرح عجز عن الدفق. فهذه لعامة الآدميين. ثم خص المؤمنين بنور العقل، فجعل مسكنه في الدماغ، وجعل له باباً من دماغه إلى صدره، ليشرق شعاعه بين عيني الفؤاد، ليدبر الفؤاد بذلك النور الأمور، فيميز بين الأمور ما حسن منها وما قبح، ووضع نور التوحيد في باطن هذه البضعة، وهي القلب، وفيه نور الحياة فحيي القلب بالله تبارك وتعالى، وفتح عيني الفؤاد، فأشرق نور التوحيد إلى الصدر من باب القلب، فأبصر عينا الفؤاد بنور الحياة التي فيهما نور التوحيد، فوحد الله عز وجل، وعرفه، وميز العقل تلك العلوم التي
أعطى الذهن في صدره جملة، فيصيرها شعباً شعباً، فصارت معرفة حين انشعبت، فهذا عمل العقل في الصدر.