الصفة، فهم متخبطون بطالون، يعبدون الله عز وجل على الشايد بود، قد طابت أنفسهم ولذات أهوائهم. وروى أن داود عليه السلام قال: يا رب، أمرتني أن أطهر بدني بالصوم والصلاة، فبم أطهر قلبي؟ قال: بالهموم
والغموم يا داود، فإنما تدنس القلب بالأفراح، أفراح النفس، فلا يطهر بمثل عمر نوح عليه السلام صوماً وصلاة، وإنما يطهر الصوم والصلاة أدناس الأركان بالمعصية، وإنما يطهر القلب ما يزيل عنه أدناس الفرح، وهو الهموم والغموم، فلما منعت النفس شهواتها ذبلت، وطفئ تلظى شهواتها، وفوران دخان هواها، فزالت أدناس الفرح من القلب، بذهاب الفرح، وطهر بالأنوار التي ولجت القلب، بمنزلة سحائب تحجبك بظلمتها، وبما فيها من الغبرة عن الشمس، فلما انقشعت السحائب وتبددت، أشرقت الشمس، فعندها يصلح لقرب الله عز وجل، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة). فالوسيلة والوصيلة بمعنى واحد، إلا أن الوصيلة أن يوصل الشيء بالشيء، فلما صار الأمر إلى ذكر الله عز وجل، أخرجوه مخرج القربة، فقيل وسيلة، بدل بالسين صاداً، وبالصاد سيناً، فيكون له من الألفاظ أشرفها وأعلاها وأنزهها، فأمرهم بابتغاء الوسيلة إليه بالتقوي؛ فجماع التقوى هاهنا هو ما وصفناه، إلى أن يتقي الفرح في كل شيء، تجد النفس في ذلك الشيء فرحاً: من كلام، أو صيام، أو قيام، أو قعود، أو ذهاب، أو مشي، أو لباس، أو طعام، أو شراب، أو صاحب، أو أهل، أو ولد، إلا فيما لابد منه كالمضطر، فإذا فعله على تلك الهيئة، فعله مع الاهتمام والاغتمام، أو مع الحزن، لأنك الحزن، لأنك تجد ذلك الفعل لله عز وجل خالصاً، لا تأخذ النفس من ذلك الفعل لله حصتها، فأنت تفعل ذلك الذي لابد منه، فتكسر عليها فرحها ونشاطها لذلك التخليط، الذي ترى في أمرك من قبلها، حتى يدوم عليها الغم والهم،