فإذا فرح بشيء من الدنيا، فإنما يفرح ببر الله تعالى له بذلك وتقديره وتدبيره ولطفه، ولا يخون أمانته، ولا يكفر نعمه، ولا ينسى ذكره، لا يحدث عيباً، فاستعمال جوارحه في ذلك الشيء بمنزلة رجل شرب ترياقاً، فامتلأت عروقه منه، فإن مد يده إلى حية أو عقرب لم يضره سمها، لأنه لم يجد السم مسلكاً إلى عروقه، فإذا لم يجد الترياق وجد السم مسلكاً إلى العروق، فجمد الدم الذي في العروق من ذلك السم فمات، فكذلك أفراح الدنيا تجري في العروق مجرى الدم، فتشمل الجوارح كلها، فتأخذ القلب فتسبيه، فإذا دخلت الأنوار القلب بما راض نفسه بهذه الرياضة التي ذكرنا، عجل له ثواب رياضته، فانشرح الصدر وانفسح، فصارت الآخرة له كالمعاينة، ولا حظ الملكوت بتلك العين عين الفؤاد، في فسحة ذلك النور المشرق في الصدر، فرأى شأناً عجيباً من عظمة الله عز وجل وجلاله، ورأى من لطف الله عز وجل بالعبيد، وبره بهم، وإحسانه إليهم، ومننه عليهم، فامتلأ القلب به فرحا، وجرت الأفراح في العروق، حتى امتلأت فمتى تجد بعد ذلك أفراح الدنيا مسلكا إلى عروقه، حتى يكون لذلك الفرح سلطان يأخذ القلب فيسبيه، فعندها يمد يده إلى ما أحل له من الطعام والشراب واللباس والنكاح، والاحتواء إلى ما قدر له من دنياه، فيقبله من ربه عز وجل على تدبيره الذي دبر له، فإن أخذ أخذ بحق، وإن أمسك أمسك بحق، وإن أعطى أعطى بحق، وقلبه حر من رق النفس وفتنته، ذلك الشيء وذلك العمل بمنزله رجل له ملء بيت دنانير يملكها، وإن أعطاه رجل صرة فيها عشرة دنانير، لم يعمل في قلبه فرح تلك العطية عملا يؤثر أثرا، ولا يستبين، وإن كان عنده تلك الصرة، فسقطت منه حتى
تويت، لم يبد عليه ضرر