فالإنسان منذ سقط من بطن أمه غذى بالشهوات، وكلما نشأ نشأ معه فرح، وذلك فرح وجود اللذة والنعمة، وفرح الحياة بما فيها من الزينة والبهجة؛ فلما شب وعقل قامت عليه الحجة، فاقتضى الوفاء بالإسلام، وهو الأمر والنهي، فأراده قلباً، فاستعصت عليه النفس، فاحتاج إلى مجاهدتها، حتى يقيم أمر
الله عز وجل، ويفي بالإسلام الذي قبله، وسيسعد غداً بجنته وجواره، لأنه دعاه دعوة إلى الله عز وجل حين قال تعالى: (ففروا إلى الله)، ودعاه إلى دار السلام حين قال: (والله يدعوا إلى دار السلام)، فصار أهل المجاهدة فرقتين: فرقة حفظت الجوارح، وأدت الفرائض، وسارت إلى الله عز وجل قلباً، فلم تعرج على شيء حتى وصلت إلى الله عز وجل، وفرقة حفظت الجوارح، وأدت الفرائض بجهد وتعب، في كد محافظة وحراسة، ومع ذلك تخليط وتهافت في الخطايا، وأدناس لا يستطيع أن يسلم منها، بمنزلة راع أعطى سبعة أغنام، ليرعاها في سبعة أودية، في تلك الأودية سموم قاتلة، وجرف هارية، وسباع ضارية، فهو قائم على أكمة مراقبا لتلك الأغنام، فإن رعت سما بادرها بالبازهر والسمن واللبن، حتى يردها إلى العافية؛