فالفرح المحمود على ضربين: فرح بالله عز وجل، وفرح بفضل الله ورحمته، فالفرح بفضل الله ورحمته ذكر النفس معه، والفرح بالله قد غاب ذكر النفس معه، والفرح بالله قد غاب ذكر النفس في ذكر مولاه، فقال عز وجل في تنزيله: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)، وقال تعالى فيما روي: (قل
للصديقين بي فافرحوا، وبذكرى فتنعموا). وإنما يفرح بذكر الله عز وجل وحين يرى منته عليه، وإنما يفرح بالله عز وجل من وصل إلى الله عز وجل، ومن كان مرعاه بين يديه في ملك من ملكه، والواصلون إلى قرب الله عز وجل مرعاهم تحت العرش في محل القربة.
فالأكياس صاروا إلى الله عز وجل في هذا الطريق، وتوقوا كل فرح، فما فرحوا بشيء من الدنيا، أو بشيء من أعمال البر، وقالوا: إنما فساد قلوبنا من فرح النفس، لأن النفس إذا فرحت بشيء استولت على القلب، فلم ينفذ له شيء، فليس بنا التمييز بين الأعمال، لأنا لا نسير إلى الله تعالى بالأعمال، إنما نسير إليه القلوب نزاهة وطهارة، فإنما يدنس القلب بأفراح النفس؛ وصار القلب محجوباً عن الله عز وجل، فكانوا يصونون قلوبهم عن الفرح بكل شيء دق أو جل، للضرر الذي يحدث عنه، ومن جهل هذا الباب توقى الحرام والشبهة، وانكمش في أعمال البر، فهو في الظاهر عامر، وفي الباطن خراب، لأن النفس شاركت القلب في تدبير العمل، فإذا شاركت أخذت نصيبها، والهوى مقرون بالنفس، فلا يتخلص العمل لصاحبه أبداً، وإنما صار هذا هكذا،