إبليس، فجاء به الهوى مع العدو إلى هذا الآدمي بهذه الأشياء الدنياوية ليبتليه، ليفرح بهذا أو يستعمله معرضاً لاهياً، أو يقبل على ربه عز وجل وداره التي مهدت له، فقد قال عز وجل في تنزيله: (زين للناس حب الشهوات)، ثم ذكر النساء، والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث؛ ثم قال تعالى: (ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب). فإذا فرح العبد بهذا المزين، الذي قد خلص حب تلك الزينة وشهوتها إلى قلبه، وسماه الفرح، فاته حسن المآب، فقد وصف الله عز وجل حسن المآب، فقال: (قل أؤنبؤكم بخير من ذلكم)، ثم بين لمن هي، فقال: (للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار). فوصفها بما فيها، ثم بين المتقين من هم، فقال عز وجل: (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار). وقال عز وجل: (لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله). فمن شغله الفرح بهذه الزينة، وملك قلبه حب هذه الشهوات، فقد ألهاه عن ذكر لله عز وجل، وفاته التقوى والصبر والصدق والقنوت، وحجزه عن الإنفاق، ونومه عن الاستغفار بالأسحار. فالرائضون راضوا أنفسهم وأدبوها، بمنعها الشهوات التي أطلقت لهم، فلم يمكنوها من تلك الشهوات إلا مالا بد منه، كهيئة المضطر، حتى ذبلت النفس، وطفئت حرارة تلك الشهوات، ثم زادوها منعاً حتى ذبلت واسترخت، فكلما منعوها شهوة آتاهم الله على منعها نوراً في القلب، فقوى القلب، وضعفت النفس، وحيى القلب بالله جل ثناؤه، وماتت النفس عن الشهوات، حتى امتلأ القلب من الأنوار، ودخلت النفس من الشهوات، فأشرق الصدر بتلك الأنوار، فجلب على النفس خوفاً وخشية وحياء، واستولى على النفس وقهرها، فالولايات على النفوس من القلوب بالإمرة التي أعطيت القلوب، بما فيها من المعرفة؛ فعلى حسب تأديب القلب النفس ينال القلب ولاية وسلطاناً، فإذا
أشرقت الأنوار من القلب في الصدر، وخلا الصدر من دخان الشهوات،