إسحاق إبراهيم القصري، وكان معنا قارئ فقرأ، ثم اندفع (بعد القراءة) يقول:
من كان يرجو بأن يلقى سلامته ... يوم الحساب ولا يفزعه مورده
فليحفظ الله في أسرار خلوته ... ولا يغيب عن الإجلال مشهده
فقام أبو إسحاق، فجثا على ركبتيه بين يدي [ذلك القارئ، وقال للقوّال: أعد، فو الله ما زال ذلك القوّال يردّد وأبو إسحاق جاث على ركبتيه بين يدي] القارئ يبكي وينتحب وينوح حتى هجم الصبح.
قال أبو الحسن: فما شبّهت ليلتنا هذه إلا بحكاية حكاها لي ابن سلم - وكان ابن سلم هذا رجلا يحسن القول، وكان ساكنا بسوسة - قال:
كان عندنا بسوسة رجال صالحون من أهل الرقة، فاجتمعوا ذات ليلة وحضرت معهم، فأنشأت أقول:
طوبى لمن سبقت له دار الرضى ... وجرى له قدر بها مقدور
فغدا غداة الحشر من ظلم الثرى ... وكتابه بيمينه منشور
/ فأخذوا في النياحة والبكاء وأنا أردّد البيتين حتى هجم الصبح.