قال أبو الحسن بن الخلاف: وهذه أمور لا يستوي الناس فيها، ولا تستوي مقاصدهم وكلّ إنسان له شأن هو أعلم به، فإذا صحّ له فلا درك / عليه ولا يعنّف أحد يعلم صحته وحسن مقصده، إنما يعنف الذي لا يصحّ مقصده، ويتزين لما يرتفع [به] (48) عند الناس وهذا الرياء والهلاك.
قال سليمان: وقف يوما محمد بن عسكر فقال:
إن أقبلت قلت: صباح أقبلا ... وإن أدبرت قلت: ليل أظلما
جارية تيّمت المتيّما ... يحكي شعاع الشمس منها المبسما
فقال عبد الوهاب: الرجل الصالح لا خاطب ولا عاشق، وأقبل يصيح:
أين الخطاب، وأين العاملون، وأين العارفون بالله؟ أين المستحيون من الله عزّ وجلّ؟ ثم صاح وبكى وبكى الناس لبكائه ثم وقع مغشيّا عليه.
قال أبو الربيع: وكنت أدخل على عبد الوهاب بعد العصر، فيقول لي: يا بني خذ لي تلك الأبيات:
*ضرّ التقى وتصفر الألوان*
قال أبو الربيع: فاندفعت أقول:
ضرّ التقى وتصفّر الألوان ... من أوجه طفيت على الأبدان
ولزومك المحراب ليلك ساجدا ... لتجازي الإحسان بالإحسان
فاندفع عبد الوهاب في النياحة [والبكاء] وأقبل وهو يقول /: وافرحهم بك، واتغير ألوانهم فيك، واشوقهم إليك.