رياض النفوس (صفحة 822)

ذقت حلاوة الأنس بالخالق ما احتجت إلى مؤانسة المخلوقين لأنه قد جاء في الحديث: «إن الله تعالى يقول: أنا جليس من ذكرني» ثم قال: ما أجد حسّ الناس إذا صعدوا إليّ من الدرج إلاّ كضرب السياط في أكتافي.

حدث أبو اللّيث السّراج قال: دخلت يوما على أبي جعفر القمودي وأبي جعفر الأربسي، فجعلت أكلم أبا جعفر وأخفض من صوتي، فقال لي: ارفع صوتك، فقلت له: إني أخاف أن أشغل الشيخ بكلامي، فقال: إنه ليس يسمعك، فقلت وكيف ذلك؟ قال: كان يشغله بعض ما كان يسمع من الكلام عن ذكر الله تعالى، فسأل الله عزّ وجلّ أن ينقص (من) سمعه فنقصه الله عزّ وجلّ منه، فهو لا يسمع إلاّ ما رفع به الصوت / كثيرا وكان يكره فضول النظر، فسأل الله عزّ وجلّ أن ينقص من بصره فنقصه منه فهو لا يبصر إلاّ ما كان معه في الغرفة.

وحدثنا أبو عبد الله بن يقظان السوسي قال: كان أبو جعفر القمودي ينفرد في بيته للعبادة والاجتهاد، وصاحبه أبو جعفر الأربسي جالس مع أصحابه يتذاكرون العلم ثم يخرجون منه إلى الحديث فيأتي القمودي إلى باب البيت الذي هم فيه، فيجعل يده على قوائم الباب ثم يقرأ هذا الآية: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} اذكروا الله يذكركم ... [قد] جاءكم الموت ... ثم يرجع إلى بيته - رضي الله عنه -.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015