رياض النفوس (صفحة 584)

قال أبو الربيع سليمان بن محمد: أخبرني محمد بن الكاتب الرجل الصالح، [الفاضل]، قال: دخلت المسجد الحرام فإذا أنا بابن غلبون في «الحطيم» قاعدا، فسلّم عليّ وعانقني ثم قال لي: «يا ابن الكاتب:

أما والأكف المهديات سلامها ... إلى مدنف لم يستطع أن يسلّما

وتلك الخدود البيض والأعين التي ... قضين لدمعي أن يفيض ويسجما»

ثم قال لي: «يا ابن الكاتب، استمع قولي في تكفيره»، ثم قال:

«لاح المشيب بلمّتي فنعاني ... ونفى الصبا عني وزم عناني

ونأت خطوب الحادثات بأسرتي ... فبقيت منفردا من الأقران

فلئن مضى صدر الزمان بصفوه ... فلأخدمنّ لسيدي المنان

/ ولأقطعنّ علائقي من غيره ... جتى أحلّ بساحة الميدان

ولأنفينّ مطاعمي وملابسي ... ولأمنعن من الكلام لساني

ولأهجرنّ أحبتي ومعارفي ... ولأقطعن عصابة المجّان

ولأبكينّ على الصبا ولما مضى ... من غرتي في سالف الأزمان

فلعل من شمل العباد بفضله ... يحيى الفؤاد بكثرة الأشجان

يا من إليه حسن ظنّي قادني ... أنت المؤمّل عند كل أوان

فامنن عليّ بما أؤمل منك يا ... معطي [الجميل] ومسدي الإحسان

وقال أيضا:

لئن عزف الإخوان عنّي نزاهة ... وخلّفني عنهم نصيبي من الفقر

لقد سرني أني خليّ من الذي ... أضاعوه من حقّي ولو كنت في الأسر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015