رياض النفوس (صفحة 577)

الرجل فإذا هو أبو عقال بن غلبون [رضي الله عنه وأرضاه].

قال أبو ميسرة: وسمعت أبا عقال يقول - وقد سألته: «ما أشد ما جرى عليك بمكة؟ » فقال -: «أشد ما مر عليّ أنّا جعنا يوما ثم يوما ثم يوما، فمضينا إلى قوم فواجرونا في عمل الطين، ونحن ثلاث [أنفس]: أنا وأبو [هارون] ورجل آخر».قال: «فعملت أنا معهم في الطين إلى الضحى، فضعفت عن العمل ولم أقدر على شيء، وخفت إن أكلت معهم وحلت في العمل. فخرجت من مكة هاربا نحو الصحراء، وليس - والله الذي لا إله إلا هو - في قلبي ذكر جنة ولا نار ولا حساب ولا عقاب. ولقد كنت أتمنى لو أصبت قشرة خبز على مزبلة، حتى جئت إلى بئر إلى جنبه خشبة فنمت عليها وأنا مهموم لما بي من الجوع.

فأنا كذلك حتى أقبل نسوة فقلن: «تنح لنا عن البئر فإنا طلبنا أن نتفرج عنده»، قال: «فتنحيت عنهن، وجعلت بيني وبينهن شرفا. فأنا كذلك لما بي، إذ أقبلت واحدة منهن فقالت: «قد وقع لنا الإناء الذي نستقي به في البئر فلعلك [تجيء] تخرجه لنا [من البئر]» فجئت مبادرا حتى أخرجته لها، ثم رجعت إلى موضعي وأنا مغموم لما في قلبي من الجوع. حتى أقبلت [إليّ] واحدة منهن بطبق فيه خبيص وفالوذج وشواء وجرادق، وقالت: «كل، فهذه بنت فلان التاجر تنزهت اليوم إلى هذا الموضع، وهذا هدية لك من عندها»،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015