رياض النفوس (صفحة 54)

يطرقها صاحب القسطنطينية فيهلكها، ولكن اجعلوا بينها وبين البحر ما لا يدركها غزاة البحر، [لأن صاحب المركب لا يظهر من اللجة حتى يستره الليل، فهو يسير إلى ساحل البحر إلى نصف الليل، فيخرج، فيقيم في غارته إلى نصف النهار، فلا تدركها منه غارة أبدا]، فإن كان بينها وبين البحر ما لا يجب فيه التقصير، فأهلها مرابطون، ومن كان على البحر فهم حرس لهم، وهم عسكر معقود إلى آخر الدهر، وميّتهم في الجنة».فاتفق رأيهم على ذلك، فقال: «قربوها من السبخة، [فقالوا: «نخاف أن تهلكنا الذئاب، ويهلكنا بردها في الشتاء وحرها في الصيف»، فقال: «لا بد لي من ذلك]، لأن أكثر دوابكم الإبل، وهي التي تحمل عسكرنا، والبربر قد تنصروا وأجابوا النصارى إلى دينهم، ونحن إذا فرغنا من أمرها لم يكن لنا بد من المغازي والجهاد، ونفتح الأول منها فالأول، فتكون إبلنا على باب مصرنا في مرعاها آمنة من غارة البربر والنصارى»، فأجابوه إلى ذلك.

فمال إلى بناء المدينة على ساحل واديها. فقال: «شأنكم! » فقالوا: «إنك أمرتنا بالبناء في شعار وغياض لا ترام، ونحن نخاف من السباع والحيات وغير ذلك من دواب الأرض»، وكان في عسكره خمسة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وسائر ذلك تابعون. قال: فبلغني أنه دعا الله عزّ وجلّ، وأصحابه يؤمنون على دعائه، ثم مضى حتى وقف على الوادي، فنادى: «أيتها السباع! ارحلوا فإنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015