كان رجلا فاضلا مجتهدا ورعا متقلّلا من الدنيا.
حدث عبد الله بن نصر، قال: دخلت أنا وأبو الحسين بن غسان إلى أبي الحسن بن دارس، وكان في دار فيها بيت مهدوم ليس فيه غير ثلاث حوائز وهو تحتها ساكن، فقلنا له: «شيخنا وسيدنا، جئناك في حاجة تقضيها لنا» فقال:
«حوائجكم مقضية، فما حاجتكم؟ » فقلنا: «هذا البيت نبنيه ونعمل له أبوابا ونصلحه ونشتري لك سريرا وفراشا وملحفة ومشملة وخادما يخدمك. وقد علمت أن أموالنا حلال» فقال: «ما منكم أحد إلاّ أعرفه وقد حج، أكنتم إذا حججتم ومضيتم إلى بيت الله، عزّ وجل، وقبر النبي، صلّى الله عليه وسلم، هل تبنون في كل مرحلة بيتا وتجعلون فيه سترا وفراشا وكانونا بالفحم؟ » فقلنا له: «لا» فقال لنا: «فهكذا الدنيا، إنما تقطع مراحل، وقد دنا نزولنا في المرحلة. وإنما يبتني الإنسان لآخرته.
أيبني الإنسان ما لا يسكنه؟ لا ضيع الله أجركم. أعطوها لضعيف يحتاج إليها» فخرجنا من عنده، وإذا بعجوز في الدار تخدمه، فقلنا لها: «هذه مثاقيل، خذيها» فقالت: «وأيش أعمل بها؟ إنما أخدمه لله تعالى: أبيع له هذه المراوح التي يعملها من الخوص، يأخذ منها قوته ويتصدق بالباقي».
قال: فأقمنا سنيّات يسيرة، فاعتلّ وجئنا إليه، فأصبنا عنده يحيى بن عمر وحمديس القطان وجبلة وأكابر أصحاب سحنون هؤلاء قعودا عند رأسه وهو مسجّى إلى القبلة ودموعه تنصب. فقال له يحيى بن عمر: «أصلحك الله، ما الذي أبكاك؟ » فقال: «والله ما بكيت خوفا من الموت، لأنه كأس لا بد منه، ولا بد من