رياض النفوس (صفحة 412)

قال عيسى بن مسكين: وأتى قوم من الأندلسيين قد كتبوا «المدونة» وأرادوا أن يسمعوها من سحنون، فقال لهم: «إني مشغول» فقال له شاب منهم: «إنا قد كتبناها فما نصنع بها؟ لئن لم تسمعناها لنطرحنها في هذا الغدير! » [وأشار] لغدير ماء بين يديه، فتغير سحنون وعض بنانه من الغيظ ثم قام فمضى إلى أزواجه وهي تحرث، ثم رجع إليهم فقال: «إني لو احتجت إليكم في مثل هذه - ورفع شيئا من الأرض - ما سوى علمي عندكم شيئا»، ثم أسمعهم.

وقال سليمان بن سالم: كنت قاعدا عند سحنون حتى أتاه رجل يقال له حسان بن شاكر، فسلم عليه ثم قال: «أين غبت يا حسان؟ » فقال: «في البادية، أصلحك الله» فقال له: «إن لله تعالى نبيا من البادية».ثم قال: «ما حال مسجدكم؟ » فقال له: «كما تعرف البادية» فقال له سحنون: «وإني لأظنه تفتل فيه الحبال» فقال له: «نعم، فما أصنع بهم؟ » فتبسم سحنون ثم قال: «يا شيخ، ابن سبعين سنة ولا تعرف ما تصنع بهم؟ أنا أخبرك ما تصنع بهم: تأخذ الحبل من يده فتثنيه على أربعة وتضرب به رأسه وتخرجه من المسجد، فإن المساجد لم تبن لفتل [الحبال]، ثم قال له: «ما حال زرعكم؟ » فقال له: «جيد، أصلحك الله، وأرجو أن تكون سنة مباركة».فقال سحنون: «آمين، جعلها الله سنة مباركة! » وكرر ذلك ثلاثا. ثم قال: «يا حسان، تدري ما السنة المباركة؟ [قال:

لا. قال: هي] السنة التي يسلم فيها للناس دينهم وإن كان نيلهم من الدنيا قليلا، والسنة التي لا يسلم للناس فيها دينهم، وإن كان نيلهم من الدنيا كثيرا، فتلك سنة مشئومة عليهم.

حدث الشيخ أبو الحسن عليّ بن محمد / بن خلف الفقيه القابسي، رضي الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015