بذلك الكساء الخلق ثم انطلق، فاشترى بدرهم من تلك الدراهم شعيرا وبدرهم زيتا وبدرهم [تينا] ثم [عمل] من ذلك بسيسة، وجعلها في جفنة، ثم وضعها على رأسه، ثم أقبل بها [إلى] الساحلي ثم قال: «تقدم أنت وأهلك وأطفالك فكلوا»، ودفع [ذلك] الطعام إليهم فأكلوه. ثم قال: «بقيت لي إليك حاجة:
أخبرني أي موضع تريد؟ » فقال الساحلي: «بلغني أن بصطفورة / زرعا فأحببت أن أتبلّغ إليها فأعيش فيها أنا وأهلي وصبياني».فترك إسماعيل الجهة التي كان عليها، وتوجه مع الساحلي حتى وصل معه إلى المنزل، فبلغ صاحب المنزل أن إسماعيل بن رباح أتى إلى منزله، فخرج إليه يسأله: «ما الذي جاء بك؟ » فقال له: «هذا الساحلي وأهله وولده وديعتي عندك» ثم ولّى منصرفا.
قال سليمان بن سالم في «مجالسه»: بلغني أن أهل بيت إسماعيل عاتبوه وقالوا له: «قد عررتنا بهذا التأزير وبهذا الكساء، ولكن خذ هذه الخمسة دنانير فاذهب بها إلى القيروان فاكتس بها».فدخل القيروان فوقف على صراف فقال له: «اعطني بهذه الدنانير دراهم» - وكانت الدراهم كبارا - فلما صارت الدراهم إليه وقف به سائل وقال: تصدق عليّ، فأعطاه درهما. ثم وقف به آخر فأعطاه درهما، ففطن به المساكين فتحاشدوا عليه فتصدق دينارا آخر ثم آخر حتى تصدق بها كلها على المساكين ولم يبق معه إلا نصف دينار، فمضى وهو يريد أن يخرج إلى الجزيرة في كسائه وتأزيره فلما كان في «سوق إيلان» وقف على خباز يبيع الخبز فأعطاه النصف