المسلك الثاني1: أن صيغ العموم يحتاج إليها في كل لغة، ولا تختص بلغة العرب.
فيبعد جدًّا أن يغفل عنها جميع الخلق، فلا يضعونها مع الحاجة إليها.
ويدل على وضعه2: توجه الاعتراض على من عصى الأمر العام، وسقوطه عمن أطاع، ولزوم النقض والخلف على الخبر العام، وبناء الاستحلال3 والأحكام على الألفاظ العامة.
فهذه أربعة أمور تدل على الغرض.
وبيانها: أن السيد إذا قال لعبده: "من دخل داري فأعطه رغيفًا" فأعطى كل داخل: لم يكن للسيد أن يعترض عليه.
ولو قال: "لِمَ أعطيت هذا وهو قصير" وإنما أردت الطوال؟
فقال: "ما أمرتني بهذا، وإنما أمرتني بإعطاء كل داخل" فعرض هذا على العقلاء: رأوا اعتراض السيد ساقطًا، وعذر العبد متوجهًا.
ولو أن العبد حرَم واحدًا، فقال له السيد: "لِمَ لم تعطه"؟ فقال: "لأن هذا أسود، ولفظك ما اقتضى العموم، فيحتمل أنك أردت الأبيض" استوجب التأديب عند العقلاء، وقيل له: "ما لك وللنظر إلى اللون، وقد أمرت بإعطاء كل داخل"؟