وقد بين الإمام الشافعي -في هذه الرسالة- أهمية رسالة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأهمية الكتاب العزيز "القرآن الكريم" وأنه لا تنزل بأحد نازلة إلا في كتاب الله -تعالى- حكم لها، إما نصًّا وإما إلحاقًا بالنص، وأن مهمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- تبيين ما نزّل إلى الناس، ثم أتبع ذلك بباب: "كيف يكون البيان" ثم تحدث عن علاقة السنة بالقرآن، وعن حجية السنة وأنها المصدر الثاني للتشريع، كما بين حجية خبر الآحاد بصفة خاصة، ثم أتبع ذلك الكلام على الإجماع، والقياس وحجيته وشروطه، وألحق به باب الاجتهاد، ثم الاستحسان، ثم ذكر الاختلاف بين العلماء، والمذموم منه والممدوح، وأنهى رسالته بموضوع "أقوال الصحابة" رضي الله عنهم، ومدى الاستدلال بها.
فكانت هذه الرسالة بمثابة اللبنة الأولى في هذا العلم، من حيث التأليف والتدوين، وأن الإمام الشافعي صاحب السبق في ذلك.
وإن كان هناك من ينازع في ذلك، ويدّعي أن هناك من سبق الإمام الشافعي في ذلك، كالإمامين: أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، صاحبي الإمام أبي حنيفة -رحمهم الله جميعًا- كما ادعت الشيعة ذلك أيضًا.
وهي مجرد دعوى لا دليل عليها، فلم يصلنا من هذه المؤلفات شيء، كما وصلتنا رسالة الإمام الشافعي.
وفي تصوّري: أن ما يدعيه هؤلاء، إنما هو من قبيل القواعد التي ترد في بعض المسائل الفقهية بطريقة عارضة، وهو أمر مسلم به؛ فإن كل إمام من الأئمة المجتهدين كانت له قواعده وأصوله التي يسير عليها، ويحتكم إليها في اجتهاده، وسبق أن قلنا: إن هذا كان موجودًا ومطبقًا في عصر الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- وفرق كبير بين تطبيق القواعد