فإن نص في مسألة واحدة على حكمين مختلفين، ولم يعلم تقدم أحدهما: اجتهدنا في أشبههما بأصوله، وأقواهما في الدلالة فجعلناها له مذهبًا، وكنا شاكِّين في الأخرى. وإن علمنا الآخرة: فهي المذهب؛ لأنه لا يجوز أن يجمع بين قولين مختلفين- على ما بينا1- فيكون نصه الأخير رجوعًا عن رأيه الأول، فلا يبقى مذهبًا له، كما لو صرح بالرجوع.
وقال بعض أصحابنا: يكون الأول مذهبًا له؛ لأنه لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد.
ولا يصح2.
فإنهم إن أرادوا أن لا يترك ما أداه إليه اجتهاده الأول باجتهاده الثاني، فهو باطل يقينًا؛ فإنّا نعلم أن المجتهد في القبلة إذا تغير اجتهاده: ترك الجهة التي كان مستقبلًا لها، وتوجه على غيرها، والمفتي إذا أفتى في مسألة بحكم، ثم تغير اجتهاده: لم يجزْ أن يفتي فيها بذلك الحكم3، وكذلك الحاكم.
وإن أرادوا: أن الحكم الذي حكم به على شخص لا ينقضه، أو ما أداه من الصلوات لا يعيده: فليس هذا نظيرًا لمسألتنا.
إنما الخلاف فيما إذا تغير اجتهاده، هل يبقى الأول مذهبًا له أم لا، وقد بينا أنه لا يبقى4.