تَابَعَ فِيهِ صَاحِبَ «الْمُهَذَّبِ» وَغَيْرَهُ. وَحَقِيقَتُهُ: طُلِّقَتْ فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنَ الْعَشْرِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: إِنْ قَالَهُ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ لَيَالِيهَا، لَمْ تُطَلَّقْ إِلَى مُضِيِّ سَنَةٍ، فِيهِ تَجَوُّزٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَقُولُ لَهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، فَلَا يَقِفُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى سَنَةٍ كَامِلَةٍ، بَلْ يَقَعُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أَرْكَانُ الِاعْتِكَافِ، أَرْبَعَةٌ ; اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالنِّيَّةُ، وَالْمُعْتَكِفُ، وَالْمُعْتَكَفُ فِيهِ.
الْأَوَّلُ: اللُّبْثُ، وَفِي اعْتِبَارِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي «النِّهَايَةِ» . أَصَحُّهُمَا: لَا بُدَّ مِنْهُ، وَالثَّانِي: يَكْفِي مُجَرَّدُ الْحُضُورِ، كَمَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْحُضُورِ بِعَرَفَةَ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ: إِنِ اكْتَفَيْنَا بِالْحُضُورِ، حَصَلَ الِاعْتِكَافُ بِالْعُبُورِ. حَتَّى لَوْ دَخَلَ مِنْ بَابٍ، وَخَرَجَ مِنْ بَابٍ، وَنَوَى، فَقَدِ اعْتَكَفَ.
وَإِنِ اعْتَبَرْنَا اللُّبْثَ، لَمْ يَكْفِ مَا يَكْفِي فِي الطُّمَأْنِينَةِ فِي الصَّلَاةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ بِمَا يُسَمَّى عُكُوفًا وَإِقَامَةً.
وَلَا يُعْتَبَرُ السُّكُونُ، بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ قَائِمًا، أَوْ قَاعِدًا، أَوْ مُتَرَدِّدًا فِي أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ. وَلَا يُقَدَّرُ اللُّبْثُ بِزَمَانٍ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ سَاعَةٍ، انْعَقَدَ نَذْرُهُ. وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا، خَرَجَ مِنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ، بِأَنْ يَعْتَكِفَ لَحْظَةً.
وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، فَإِنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لَا يُجَوِّزَانِ اعْتِكَافَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ.
وَنَقَلَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إِلَّا يَوْمًا، أَوْ مَا يَدْنُو مِنْ يَوْمٍ.
قُلْتُ: وَلَوْ كَانَ يَدْخُلُ سَاعَةً وَيَخْرُجُ سَاعَةً، وَكُلَّمَا دَخَلَ نَوَى الِاعْتِكَافَ، صَحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِيهِ خِلَافًا ضَعِيفًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.