الثَّانِي: التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ، وَالثَّالِثُ: التَّغْلِيظُ بِالزَّمَانِ، وَهُمَا مُفَصَّلَانِ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ. وَهَلِ التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ مُسْتَحَبٌّ أَمْ وَاجِبٌ لَا يُعْتَدُّ بِالْحَلِفِ فِي غَيْرِهِ؟ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: الْأَوَّلُ، وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ قَطْعًا، وَالتَّغْلِيظُ بِالزَّمَانِ مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ كَالْمَكَانِ، وَرَأَى الْإِمَامُ طَرْدَ الْخِلَافِ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي مِنَ التَّغْلِيظِ اللَّفْظِيِّ، وَمِنْ وُجُوهِ التَّغْلِيظِ الْمَذْكُورَةِ فِي اللِّعَانِ التَّغْلِيظُ بِحُضُورِ جَمْعٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوهُ هُنَا، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: الْأَيْمَانُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِإِثْبَاتِ حَدٍّ أَوْ دَفْعِهِ يَكُونُ التَّغْلِيظُ فِيهَا بِالْجَمْعِ، كَمَا هُوَ فِي اللِّعَانِ.

قُلْتُ: الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ هُنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ التَّغْلِيظُ هَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ الْخَصْمِ، أَمْ يُغَلِّظُ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَطْلُبِ الْخَصْمُ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَجْرِيَا، سَوَاءٌ قُلْنَا بِالِاسْتِحْبَابِ أَوْ بِالْإِيجَابِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: يَجْرِي التَّغْلِيظُ فِي دَعْوَى الدَّمِ وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ، وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ، وَالْعِتْقِ وَالْحَدِّ، وَالْوَلَاءِ وَالْوَكَالَةِ، وَالْوِصَايَةِ، وَكُلِّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَالُ حَتَّى يَجْرِيَ فِي الْوِلَادَةِ وَالرِّضَاعِ، وَعُيُوبِ النِّسَاءِ، وَلَيْسَ قَبُولُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيهَا مُنْفَرِدَاتٌ لِقِلَّةِ خَطَرِهَا، بَلْ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهَا غَالِبًا، وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي الْوَكَالَةِ، وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَيَجْرِي التَّغْلِيظُ فِي كَثِيرِهَا وَهُوَ نِصَابُ الزَّكَاةِ عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ مَائَتَا دِرْهَمٍ، وَأَمَّا قَلِيلُهَا وَهُوَ مَا دُونَ ذَلِكَ فَلَا تَغْلِيظَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَرَى الْقَاضِي التَّغْلِيظَ لِجُرْأَةِ الْحَالِفِ، فَلَهُ التَّغْلِيظُ. وَعَنِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَجْهٌ غَرِيبٌ أَنَّ الْمَالَ الْوَاجِبَ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا وَخَطَأً يُغَلَّظُ فِيهِ وَإِنْ قَلَّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015