بَاعَهُ الْعَيْنَ الْمَدْعَاةَ، أَوْ بَاعَهَا لِبَائِعِهِ، أَوِ ادَّعَى أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنَ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى، فَأَنْكَرَ، فَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُدَّعِي، وَأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُدَّعٍ فِيمَا ذَكَرَهُ يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْهَلَ لِيَأْتِيَ بِهَا أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: يَوْمٌ فَقَطْ. وَلَوِ ادَّعَى الْإِبْرَاءَ وَلَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ، وَقَالَ: حَلِّفُوهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَرِّئْنِي، حَلَّفْنَاهُ، وَلَا يُكَلَّفُ تَوْفِيَةَ الدَّيْنِ أَوَّلًا، وَعَنِ الْقَاضِي وَجْهٌ أَنَّهُ يُسْتَوْفَى مِنْهُ الدَّيْنُ أَوَّلًا، ثُمَّ إِنْ شَاءَ حَلَّفَهُ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى جَدِيدَةٌ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَلَيْسَ كَمَا لَوْ قَالَ لِوَكِيلِ الْمُدَّعِي: أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُكَ حَيْثُ يُسْتَوْفَى الْحَقُّ مِنْهُ، وَلَا يُؤَخَّرُ إِلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ وَحَلِفِهِ، لِعَظَمِ الضَّرَرِ فِي التَّأْخِيرِ وَهُنَا الْحَلِفُ مُتَيَسِّرٌ فِي الْحَالِ. وَلَوْ قَالَ: إِنَّهُ أَبْرَأَنِي مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى، فَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يُبَرِّئْهُ؟ وَجْهَانِ اخْتَارَ الْقَفَّالُ وَالْغَزَالِيُّ الْمَنْعَ، وَادَّعَى الرُّويَانِيُّ أَنَّ الْمَذْهَبَ التَّحْلِيفُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا دَعْوَى لَهُ عَلَيْهِ بَرِئَ.
فَرْعٌ
مُدَّعِي الدَّفْعِ إِنْ قَالَ: قَضَيْتُ أَوْ أَبْرَأَنِي فَذَاكَ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَقَالَ: لِي بَيِّنَةٌ دَافِعَةٌ وَاسْتَفْسَرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مَا لَيْسَ بِدَافِعٍ دَافِعًا إِلَّا أَنْ يَعْرِفَ مَعْرِفَتَهُ، وَإِنَّ عَيَّنَ جِهَةً، وَلَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهَا، وَادَّعَى عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ بِلَا جِهَةٍ أُخْرَى وَاسْتَمْهَلَ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجَابَ، وَإِنِ ادَّعَى فِي الْمُدَّةِ جِهَةً أُخْرَى وَجَبَ أَنْ تُسْمَعَ.
الْخَامِسَةُ: الدَّعْوَى أَنْوَاعٌ، مِنْهَا دَعْوَى الدَّمِ، وَيُشْتَرَطُ تَفْصِيلُهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْقَسَامَةِ، وَأَمَّا دَعْوَى النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ، وَسَائِرِ الْعُقُودِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَوِ ادَّعَى أَنَّهُ نَكَحَ امْرَأَةً، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ حَتَّى