وَيَكْفِي أَنْ لَا تَصِيرَ مُتَبَذِّلَةً بِكَثْرَةِ الْخُرُوجِ لِلْحَاجَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ، كَشِرَاءِ الْخُبْزِ وَالْقُطْنِ، وَبَيْعِ الْغَزْلِ وَنَحْوِهَا، ثُمَّ إِنَّمَا يَتَحَتَّمُ حُضُورُ الْمُخَدَّرَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِلتَّحْلِيفِ، وَأَمَّا مَا عَدَاهُ، فَيُقْنَعُ فِيهِ بِالتَّوْكِيلِ مِنَ الْمُخَدَّرَةِ وَغَيْرِهَا.
الْقَاضِي يُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا إِذَا كَانَتْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَوْطِنَةً مَحَلَّ وِلَايَتِهِ، أَمْ غَيْرَهَا، وَلَا يُزَوِّجُ خَارِجَةً عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، وَإِنْ رَضِيَتْ. وَلَا يَكْفِي حُضُورُ الْخَاطِبِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ بِحَاضِرٍ عَلَى غَائِبٍ، لَأَنَّ الْمُدَّعِيَ حَاضِرٌ، وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لِيَتِيمٍ غَائِبٍ عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ مَالٌ حَاضِرٌ، فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ، لَأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ تَرْتَبِطُ بِمَالِهِ، ثُمَّ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ الْغَائِبِ يَكُونُ بِالْحِفْظِ وَالتَّعَهُّدِ، وَإِذَا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ أَتَى بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ بِشَرْطِ الْغِبْطَةِ اللَّائِقَةِ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ فِي مَالِ كُلِّ غَائِبٍ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ، فَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا، وَخِيفَ هَلَاكُهُ، بَاعَهُ، وَإِنْ حَصَلَتِ الصِّيَانَةُ بِالْإِجَارَةِ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ الْغَائِبِ لِلِاسْتِنْمَاءِ، وَأَنْ يَنْصِبَ قَيِّمًا كَذَلِكَ، وَأَنْ يَتَصَرَّفَ لِلتِّجَارَةِ، وَطَلَبِ الْفَائِدَةِ كَتَصَرُّفِهِ فِي أَمْوَالِ الْحَاضِرِينَ؟ وَجْهَانِ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْقَيِّمِ يَرْتَبِطُ بِالْمَالِ وَالْمَالِكِ جَمِيعًا، فَلَوْ جَازَ النَّصْبُ بِحُضُورِ الْمَالِ، جَازَ لِقَاضِي بَلَدِ الْيَتِيمِ بِحُضُورِ الْمَالِكِ، وَحِينَئِذٍ يَتَمَانَعُ تَصَرُّفَاهُمَا.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُلَاحِظَ مَكَانَ الْيَتِيمِ دُونَ الْمَالِ، وَلَهُ نَصْبُ الْقَيِّمِ لِلْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ بِلَا خِلَافٍ. وَلِلْقَاضِي إِقْرَاضُ مَالِ الْغَائِبِ لِيَحْفَظَهُ بِحِفْظِهِ