فَرْعٌ
اطَّلَعْنَا عَلَى كَافِرٍ فِي دَارِنَا، فَقَالَ: دَخَلْتُ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِرِسَالَةٍ، صُدِّقَ وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ، سَوَاءً كَانَ مَعَهُ كِتَابٌ أَمْ لَا، وَفِيمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، ثُمَّ نَقَلَ ابْنُ كَجٍّ عَنِ النَّصِّ أَنَّهُ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ إِنِ اتُّهِمَ، حَلَفَ، وَفِي «الْبَحْرِ» أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَحْلِيفُهُ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: دَخَلْتُ بِأَمَانِ مُسْلِمٍ، فَهَلْ يُطَالَبُ بِبَيِّنَةٍ لِإِمْكَانِهَا غَالِبًا أَمْ يُصَدَّقُ بِلَا بَيِّنَةٍ كَدَعْوَى الرِّسَالَةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِغَيْرِ أَمَانٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَمَا اشْتُهِرَ أَنَّ الرَّسُولَ آمِنٌ هُوَ فِي رِسَالَةٍ فِيهَا مُصْلِحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ هُدْنَةٍ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ رَسُولًا فِي وَعِيدٍ وَتَهْدِيدٍ، فَلَا أَمَانَ لَهُ، وَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ بَيْنَ الْخِصَالِ الْأَرْبَعِ كَأَسِيرٍ.
قُلْتُ: لَيْسَ مَا ادَّعَاهُ الرُّويَانِيُّ بِمَقْبُولٍ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَهُوَ آمِنٌ مُطْلَقًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرُّكْنُ الثَّانِي: الْعَاقِدُ، وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الذِّمَّةِ إِلَّا مِنَ الْإِمَامِ، أَوْ مَنْ فَوَّضَهُ إِلَيْهِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ كَجٍّ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَصِحُّ عَقْدُهَا مِنْ آحَادِ الرَّعِيَّةِ، كَالْأَمَانِ، وَهَذَا شَاذٌّ مَتْرُوكٌ، لَكِنْ لَوْ عَقَدَهَا أَحَدُ الرَّعِيَّةِ، لَمْ يُغْتَلِ الْمَعْقُودُ لَهُ، بَلْ يُلْحِقُهُ بِمَأْمَنِهِ، فَإِنْ أَقَامَ سَنَةً فَأَكْثَرَ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ سَنَةٍ دِينَارٌ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، كَمَا لَوْ فَسَدَ عَقْدُ الْإِمَامِ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا، لِأَنَّهُ لَغْوٌ.
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمَعْقُودُ لَهُ خَمْسَةُ شُرُوطٍ.
أَحَدُهَا: الْعَقْلُ، فَلَا جِزْيَةَ عَلَى مَجْنُونٍ، لِأَنَّهَا لِحَقْنِ الدَّمِ، وَهُوَ مَحْقُونٌ، وَفِي الْبَيَانِ وَجْهٌ: أَنَّ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ، كَالْمَرِيضِ وَالْهَرِمِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنْ كَانَ يَجُنُّ وَيَفِيقُ، نُظِرَ إِنْ قَلَّ زَمَنُ جُنُونِهِ، كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ، أَخِذَتْ مِنْهُ