كَمَا فِي الْهُدْنَةِ، وَهَذَا شَاذٌّ مَتْرُوكٌ، فَلَوْ خَافَ غَائِلَتَهُمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَكِيدَةٌ مِنْهُمْ، لَمْ يُجِبْهُمْ.

فَرْعٌ

إِذَا عُقِدَتِ الذِّمَّةُ مَعَ إِخْلَالٍ بِشَرْطٍ، لَمْ يَلْزَمِ الْوَفَاءُ، وَلَمْ تَجْبِ الْجِزْيَةُ الْمُسَمَّاةُ، لَكِنْ لَا يُغْتَالُونَ، بَلْ يَبْلُغُونَ الْمَأْمَنَ، وَلَوْ بَقِيَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْدِ عِنْدَنَا سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ، وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ سَنَةٍ دِينَارٌ، وَلَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا وَبَقِيَ مُدَّةً، فَاطَّلَعْنَا عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ، الصَّحِيحُ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنِ الْأَصْحَابِ: أَنَّا لَا نَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِمَا مَضَى بِخِلَافِ مَنْ سَكَنَ دَارًا غَصْبًا، لِأَنَّ عِمَادَ الْجِزْيَةِ الْقَبُولُ، وَهَذَا حَرْبِيٌّ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا، وَخَرَّجَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَجْهًا آخَرَ: أَنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ مَا مَضَى، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ: لَنَا قَتْلُهُ وَاسْتِرْقَاقُهُ، وَأَخْذُ مَالِهِ، وَيَكُونُ فَيْئًا، وَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ، وَيَتْرُكَ أَمْوَالَهُ وَذُرِّيَّتَهُ لَهُ، جَازَ بِخِلَافِ سَبَايَا الْحَرْبِ وَأَمْوَالِهَا، لِأَنَّ الْغَانِمِينَ مَلَكُوهَا، فَاشْتُرِطَ اسْتِرْضَاؤُهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْكَافِرُ كِتَابِيًّا، وَطَلَبَ عَقَدَ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ، فَهَلْ يُجِيبُهُ وَنَعْصِمُهُ؟ تَقَدَّمَ عَلَى هَذَا حُكْمُ الْأَسِيرِ إِذَا كَانَ كِتَابِيًّا، وَطَلَبَ عَقَدَ الذِّمَّةِ بَعْدَ الْأَسْرِ، وَفِي تَحْرِيمِ قَتْلِهِ حِينَئِذٍ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: التَّحْرِيمُ، لِأَنَّ بَذْلَ الْجِزْيَةِ يَقْتَضِي حَقْنَ الدَّمِ، كَمَا لَوْ بَذَلَهَا قَبْلَ الْأَسْرِ، فَعَلَى هَذَا فِي اسْتِرْقَاقِهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ أَيْضًا، وَيَجِبُ تَقْرِيرُهُ بِالْجِزْيَةِ كَمَا قَبْلَ الْأَسْرِ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَحْرُمُ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْظَمُ مِنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ، وَالْإِسْلَامُ بَعْدَ الْأَسْرِ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِرْقَاقَ، وَمَالُهُ مَغْنُومٌ سَوَاءً قُلْنَا: يَحْرُمُ، أَمْ لَا. إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَبَدَلُ الدَّاخِلِ الَّذِي أَطْلَقْنَا عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ وَجَبَ قَبُولُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ، كَالْأَسِيرِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015