فَرْعٌ
الْمُسْلِمُ إِنْ كَانَ ضَعِيفًا فِي دَارِ الْكُفْرِ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِظْهَارِ الدِّينِ، حَرُمَ عَلَيْهِ الْإِقَامَةُ هُنَاكَ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهِجْرَةِ، فَهُوَ مَعْذُورٌ إِلَى أَنْ يَقْدِرَ، فَإِنْ فُتِحَ الْبَلَدُ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، سَقَطَ عَنْهُ الْهِجْرَةُ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إِظْهَارِ الدِّينِ، لِكَوْنِهِ مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ، أَوْ لِأَنَّ لَهُ هُنَاكَ عَشِيرَةً يَحْمُونَهُ، وَلَمْ يَخَفْ فِتْنَةً فِي دِينِهِ، لَمْ تَجِبِ الْهِجْرَةُ، لَكِنْ تُسْتَحَبُّ، لِئَلَّا يَكْثُرَ سَوَادُهُمْ، أَوْ يَمِيلَ إِلَيْهِمْ، أَوْ يَكِيدُوا لَهُ، وَقِيلَ: تَجِبُ الْهِجْرَةُ، حَكَاهُ الْإِمَامُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
قُلْتُ: قَالَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» : فَإِنْ كَانَ يَرْجُو ظُهُورَ الْإِسْلَامِ هُنَاكَ بِمُقَامِهِ، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقِيمَ، قَالَ: وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الِامْتِنَاعِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالِاعْتِزَالِ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ بِهَا، لِأَنَّ مَوْضِعَهُ دَارُ إِسْلَامٍ، فَلَوْ هَاجَرَ، لَصَارَ دَارَ حَرْبٍ، فَيَحْرُمُ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنْ قَدَرَ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ وَدُعَائِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَرْعٌ
الْأَسِيرُ الْمَقْهُورُ مَتَى قَدَرَ عَلَى الْهَرَبِ، لَزِمَهُ، وَلَوْ أَطْلَقُوا أَسِيرًا بِلَا شَرْطٍ، فَلَهُ أَنْ يَغْتَالَهُمْ قَتْلًا وَسَبْيًا وَأَخْذًا لِلْمَالِ، وَإِنْ أَطْلَقُوهُ عَلَى أَنَّهُ فِي أَمَانٍ مِنْهُمْ وَهُمْ فِي أَمَانٍ مِنْهُ، حَرُمَ عَلَيْهِ اغْتِيَالُهُمْ، وَإِنْ أَطْلَقُوهُ عَلَى أَنَّهُ فِي أَمَانٍ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَسْتَأْمِنُوهُ، فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ لَهُ اغْتِيَالَهُمْ، وَلَوْ تَبِعَهُ قَوْمٌ بَعْدَ خُرُوجِهِ، فَلَهُ قَصْدُهُمْ وَقَتْلُهُمْ فِي الدَّفْعِ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ أَطْلَقُوهُ وَشَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِمْ، لَزِمَهُ الْخُرُوجُ وَحَرُمَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ، فَإِنْ حَلَّفُوهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ، فَإِنْ حَلَفَ مُكْرَهًا، خَرَجَ وَلَا كَفَّارَةَ، لِأَنَّهُ لَمْ تَنْعَقِدْ