بَدَرَ مُسْلِمٌ فَقَتَلَهُ، جَازَ وَإِذَا خَاطَبَهُ بِالْأَمَانِ، أَوْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، فَرَدَّهُ، بَطَلَ، وَإِنْ قَبِلَ، أَوْ كَانَ قَدِ اسْتَجَارَ مِنْ قَبْلُ، تَمَّ الْأَمَانُ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لَفْظًا، بَلْ تَكْفِي الْإِشَارَةُ وَالْأَمَارَةُ الْمُشْعِرَةُ بِالْقَبُولِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْقِتَالِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ الْقِتَالُ، فَلَوْ سَكَتَ، فَلَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ، قَالَ الْإِمَامُ: فِيهِ تَرَدُّدٌ، وَالظَّاهِرُ: اشْتِرَاطُ قَبُولِهِ، وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ، وَاكْتَفَى الْبَغَوِيُّ بِالسُّكُوتِ، وَلَوْ قَالَ الْكَافِرُ: قَبِلْتُ أَمَانَكَ، وَلَسْتُ أُؤَمِّنُكَ فَخُذْ حِذْرَكَ، قَالَ الْإِمَامُ: هُوَ رَدٌّ لِلْأَمَانِ، لِأَنَّ الْأَمَانَ لَا يَثْبُتُ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْأَمَانِ بِالْأَعْذَارِ، وَلَوْ أَشَارَ مُسْلِمٌ إِلَى كَافِرٍ فِي الْقِتَالِ، فَانْحَازَ إِلَى صَفِّ الْمُسْلِمِينَ، وَتَفَاهَمَا الْأَمَانَ، فَهُوَ أَمَانٌ، وَإِنْ قَالَ الْكَافِرُ: ظَنَنْتُ أَنَّهُ يُؤَمِّنُنِي، وَقَالَ الْمُسْلِمُ: لَمْ أَرُدَّهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلِمِ وَلَا أَمَانَ، وَلَكِنْ لَا يُغْتَالُ، بَلْ يَلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ بِأَمَانِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ مُكْرَهٍ، وَقَالَ: ظَنَنْتُ صِحَّتَهُ، أَوْ ظَنَنْتُهُ بَالِغًا، أَوْ عَاقِلًا، أَوْ مُخْتَارًا، وَلَوْ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ الْأَمَانَ، فَقَدْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا وَأَنَّهُ لَا أَمَانَ لِلصَّبِيِّ، وَلَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ الْمُشِيرُ قَبْلَ الْبَيَانِ، فَلَا أَمَانَ وَلَا اغْتِيَالَ.
فَرْعٌ
مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ اعْتِبَارِ صِيغَةِ الْأَمَانِ هُوَ فِيمَا إِذَا دَخَلَ الْكَافِرُ بِلَادَنَا بِلَا سَبَبٍ، فَلَوْ دَخَلَ رَسُولًا، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الرَّسُولَ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ، وَلَوْ دَخَلَ لِيَسْمَعَ الذِّكْرَ، وَيَنْقَادَ لِلْحَقِّ إِذَا ظَهَرَ لَهُ، فَكَذَلِكَ، وَقَصْدُ التِّجَارَةِ لَا يُفِيدُ الْأَمَانَ، وَلَكِنْ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ مَصْلَحَةً فِي دُخُولِ التُّجَّارِ، فَقَالَ: مَنْ دَخَلَ تَاجِرًا، فَهُوَ آمِنٌ، جَازَ، وَمِثْلُ هَذَا الْأَمَانِ لَا يَصَحُّ مِنَ الْآحَادِ، وَلَوْ قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّ قَصْدَ التِّجَارَةِ يُفِيدُ الْأَمَانَ، فَلَا أَثَرَ لِظَنِّهِ وَيُغْتَالُ إِذْ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ، وَلَوْ سَمِعَ مُسْلِمًا يَقُولُ: مَنْ دَخَلَ تَاجِرًا، فَهُوَ آمِنٌ، فَدَخَلَ وَقَالَ: ظَنَنْتُ صِحَّتَهُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُغْتَالُ.