فَإِنْ أَصَرَّ، رَمَاهُ، جَرْيًا عَلَى قِيَاسِ الدَّفْعِ بِالْأَهْوَنِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ، وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ الْمَاسَرْجَسِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ: يَجُوزُ رَمْيُهُ قَبْلَ الْإِنْذَارِ، وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» بِجَوَازِ الرَّمْيِ هُنَا قَبْلَ الْإِنْذَارِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْكَلَامِ فِي دَفْعِ كُلِّ صَائِلٍ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَصُولِ عَلَيْهِ الِابْتِدَاءُ بِالْفِعْلِ، قَالَ الْإِمَامُ: مَجَالُ التَّرَدُّدِ فِي كَلَامِهِ هُوَ مَوْعِظَةٌ قَدْ تُفِيدُ وَقَدْ لَا تُفِيدُ، فَأَمَّا مَا يُوثَقُ بِكَوْنِهِ دَافِعًا مِنْ تَخْوِيفٍ وَزَعْقَةٍ مُزْعِجَةٍ، فَيَجِبُ قَطْعًا، وَهَذَا أَحْسَنُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: مَا لَا يُوثَقُ بِكَوْنِهِ دَافِعًا، وَيُخَافُ مِنَ الِابْتِدَاءِ بِهِ مُبَادَرَةُ الصَّائِلِ لَا يَجِبُ الِابْتِدَاءُ بِهِ قَطْعًا.
فَرْعٌ
لِيَكُنَ الرَّمْيَ بِشَيْءٍ خَفِيفٍ تُقْصَدُ الْعَيْنَ بِمِثْلِهِ، كَبُنْدُقَةٍ وَحَصَى خَفِيفَةٍ، أَمَّا إِذَا رَشَقَهُ بِنِشَابٍ، أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ ثَقِيلٍ، فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ، لَكِنْ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ قَصْدُ عَيْنِهِ، أَوْ لَمْ يَنْزَجِرْ، فَيَسْتَغِيثُ عَلَيْهِ وَيَدْفَعُهُ بِمَا أَمْكَنَهُ كَمَا سَبَقَ، وَلَا يَقْصِدُ رَمْيَ غَيْرِ الْعَيْنِ إِذَا أَمْكَنَهُ إِصَابَتُهَا، فَإِنْ لَمْ يُمَكَّنْ، فَرَمَى عُضْوًا آخَرَ، فَفِي «التَّهْذِيبِ» حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِيهِ، وَنُقِلَ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ مَوْضِعًا بَعِيدًا عَنْ عَيْنِهِ بِلَا قَصْدٍ، فَلَا يَضْمَنُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْأَشْبَهُ مَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ إِنْ رَمَاهُ، فَأَصَابَ غَيْرَ الْعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا لَا يُخْطِئُ مِنَ الْعَيْنِ إِلَيْهِ، ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا يُخْطِئُ إِلَيْهِ، لَمْ يَضْمَنْ.
فَرْعٌ
لَوْ كَانَ لِلنَّاظِرِ مَحْرَمٌ فِي الدَّارِ، أَوْ زَوْجَةٌ، أَوْ مَتَاعٌ، لَمْ يَجُزْ قَصْدُ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي النَّظَرِ شُبْهَةً، وَقِيلَ: لَا يَكْفِي أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الدَّارِ مَحْرَمٌ، بَلْ لَا يُمْنَعُ قَصْدُ عَيْنِهِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ إِلَّا مَحَارِمُهُ.