الطَّرَفُ الثَّالِثُ: فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الرَّضَاعِ فِيهِ مَسَائِلُ:
إِحْدَاهَا: يَثْبُتُ الرَّضَاعُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَبِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ كَالْوِلَادَةِ، وَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَلَا يَثْبُتُ الْإِقْرَارُ بِالرَّضَاعِ إِلَّا بِرَجُلَيْنِ، وَفِي «التَّتِمَّةِ» أَنَّهُ لَوْ كَانَ النِّزَاعُ فِي شُرْبِ اللَّبَنِ مِنْ ظَرْفٍ، لَمْ تُقْبَلْ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسْوَةِ الْمُتَمَحِّضَاتِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِاطِّلَاعِ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إِذَا كَانَ النِّزَاعُ فِي الِارْتِضَاعِ مِنَ الثَّدْيِ، وَأَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ الْحَاصِلَ فِي الظَّرْفِ لَبَنُ فُلَانَةٍ، لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى الْحَلْبِ غَالِبًا.
الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ فِيمَنْ يَشْهَدُ بِالرَّضَاعِ أُمُّ الْمَرْأَةِ، أَوْ بِنْتُهَا عَلَى حُرْمَةِ الرَّضَاعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُدَّعِيًا، وَالْمَرْأَةُ مُنْكِرَةً، قُبِلَتْ شَهَادَتُهَا، وَإِنِ انْعَكَسَ فَلَا، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنَّ تَشْهَدَ عَلَى أُمِّهَا أَنَّهَا ارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّ الزَّوْجِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الرَّضَاعِ تُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُشَاهَدَةُ، لَكِنْ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهَا أَرْضَعَتِ الزَّوْجُ أَوْ أَرْضَعَتْهُ أُمُّهَا أَوْ أُخْتُهَا، وَلَوْ شَهِدَتِ الْأُمُّ أَوِ الْبِنْتُ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى عَلَى سَبِيلِ الْحِسْبَةِ، قُبِلَتْ وَإِنِ احْتَمَلَ كَوْنُ الزَّوْجَةِ مُدَّعِيَةً، لِأَنَّ الرَّضَاعَ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ، وَهَذَا كَمَا لَوْ شَهِدَ أَبُو الزَّوْجَةِ وَابْنُهَا أَوِ ابْنَاهَا ابْتِدَاءً أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، قُبِلَتْ. وَلَوِ ادَّعَتِ الطَّلَاقَ، فَشَهِدَا، لَمْ تُقْبَلْ.
الثَّالِثَةُ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ وَحْدَهَا، وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيمَنْ يَشْهَدُ إِنِ ادَّعَتْ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ، لَمْ تُقْبَلْ، وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: تُقْبَلُ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ دُونَ الْأُجْرَةِ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ فِيهِمَا. وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ أُجْرَةً، نُظِرَ؛ إِنْ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِفِعْلِهَا بِأَنْ شَهِدَتْ بِأُخُوَّةِ الرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا، أَوْ عَلَى أَنَّهُمَا ارْتَضَعَا مِنْهَا، قُبِلَتْ شَهَادَتُهَا، وَلَا نَظَرَ إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ، وَجَوَازِ الْخَلْوَةِ وَالْمُسَافَرَةِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُرَدُّ بِمِثْلِ