الْبَابُ الثَّانِي فِي الشِّقَاقِ.
الْوَحْشَةُ وَالشِّقَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَدْ يَظْهَرُ سَبَبُهُ بِأَنْ تَنْشُزَ أَوْ يَتَعَدَّى هُوَ عَلَيْهَا، وَقَدْ لَا يَظْهَرُ وَيُشْكِلُ الْحَالُ فِي أَنَّ الْمُتَعَدِّيَ أَيُّهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ.
الْأَوَّلُ: أَنْ تَتَعَدَّى هِيَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ.
[النِّسَاءِ: 33] وَالْمُرَادُ بِالْوَعْظِ، أَنْ يَقُولَ: اتَّقِي اللَّهَ فِي الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَيْكِ، وَاحْذَرِي الْعُقُوبَةَ، وَيُبَيِّنُ لَهَا أَنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَالْقَسْمَ، وَأَمَّا الْهِجْرَانُ، فَهَجْرُهَا فِي الْمَضْجَعِ، وَأَمَّا الْهِجْرَانُ فِي الْكَلَامِ، فَمَمْنُوعٌ.
وَفِيمَا عُلِّقَ عَنِ الْإِمَامِ، حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ مُحَرَّمٌ أَمْ مَكْرُوهٌ؟ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ تَرْكُ الْكَلَامِ أَبَدًا، لَكِنْ إِذَا كَلَّمَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ، وَهُوَ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَجَوَابِهِ، وَلِمَنْ ذَهَبَ إِلَى التَّحْرِيمِ أَنْ يَقُولَ: لَا مَنْعَ مِنْ تَرْكِ الْكَلَامِ بِلَا قَصْدٍ، فَأَمَّا بِقَصْدِ الْهِجْرَانِ، فَحَرَامٌ، كَمَا أَنَّ الطِّيبَ وَنَحْوَهُ إِذَا تَرَكَهُ الْإِنْسَانُ بِلَا قَصْدٍ لَا يَأْثَمُ.
وَلَوْ قَصَدَ بِتَرْكِهِ الْإِحْدَادَ أَثِمَ، وَحُكِيَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ لَوْ هَجَرَهَا بِالْكَلَامِ، لَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ زَادَ أَثِمَ.
قُلْتُ: الصَّوَابُ، الْجَزْمُ بِتَحْرِيمِ الْهِجْرَانِ فِيمَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَعَدَمُ التَّحْرِيمِ فِي الثَّلَاثَةِ، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ» . قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: هَذَا فِي الْهِجْرَانِ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ، بِأَنْ كَانَ الْمَهْجُورُ مَذْمُومَ الْحَالِ لِبِدْعَةٍ أَوْ فِسْقٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، أَوْ كَانَ فِيهِ صَلَاحٌ لِدِينِ الْهَاجِرِ أَوِ الْمَهْجُورِ، فَلَا تَحْرِيمَ.
وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا ثَبَتَ مِنْ هَجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعْبَ بْنَ