الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا. وَإِذَا نَصَبَهُ لِذَلِكَ، لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِلْزَامِ الْوَرَثَةِ تَسْلِيمَ التَّرِكَةِ لِتُبَاعَ فِي الدَّيْنِ، بَلْ لَهُمْ إِمْسَاكُهَا وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِمْ. فَلَوِ امْتَنَعُوا مِنَ التَّسْلِيمِ وَالْقَضَاءِ مِنْ عِنْدِهِمْ، أَلْزَمَهُمْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ. هَذَا إِذَا أَطْلَقَ الْوِصَايَةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ. فَإِنْ قَالَ: ادْفَعْ هَذَا الْعَبْدَ إِلَيْهِ عِوَضًا عَنْ دَيْنِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَرَثَةِ إِمْسَاكُهُ؛ لِأَنَّ فِي أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ أَغْرَاضًا. وَلَوْ قَالَ: بِعْهُ وَاقْضِ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمُ الْإِمْسَاكُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَطْيَبَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ نَصْبُ الْوَصِيِّ فِي حَيَاةِ الْجَدِّ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ شَرْعًا كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ. هَذَا فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ، فَأَمَّا فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا، فَلَهُ ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْوَصِيُّ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ. وَلَوْ لَمْ يُنَصِّبْ وَصِيًّا، فَأَبُوهُ أَوْلَى بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَمْرِ الْأَطْفَالِ، وَالْحَاكِمُ أَوْلَى بِتَنْفِيذِ الْوَصَايَا، كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ.
الرَّابِعَةُ: لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ الْوِصَايَةُ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ، وَلَا لِلْأُمِّ إِلَّا عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ فِي أَنَّهَا تَلِي فَتُوصِي.
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمُوصَى فِيهِ، وَهُوَ التَّصَرُّفَاتُ الْمَالِيَّةُ الْمُبَاحَةُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوِصَايَةُ بِقَضَاءِ الدُّيُونِ، وَتُنَفَّذُ فِي الْوَصَايَا وَأُمُورِ الْأَطْفَالِ، وَلَا تَجُوزُ فِي تَزْوِيجِ الْأَطْفَالِ، وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ، كَبِنَاءِ كَنِيسَةٍ وَكُتُبِ التَّوْرَاةِ. وَذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْإِمَامُ، أَنَّ الْوِصَايَةَ لَا تَجْرِي فِي رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ، وَلَا فِي الْوَصِيَّةِ بِعَيْنٍ لِمُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِأَعْيَانِهَا فَيَأْخُذُهَا أَصْحَابُهَا، وَإِنَّمَا يُوصِي فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، كَالْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ مَوْضِعُ تَوَقُّفٍ نَقْلًا وَمَعْنًى.
أَمَّا النَّقْلُ، فَمَا سَيَأْتِي فِي بَقِيَّةِ الْبَابِ وَفِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ قَالُوا: إِنْ أَوْصَى إِلَى فَاسِقٍ، ضَمِنَ. وَأَمَّا الْمَعْنَى، فَلِأَنَّهُ قَدْ يُخَافُ خِيَانَةُ الْوَارِثِ.