الْبَابُ الرَّابِعُ

فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ

يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ بِالنَّسَبِ، أَنْ يَكُونَ بِالصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي سَائِرِ الْمُقِرِّينَ كَمَا سَبَقَ. ثُمَّ لَا يَخْلُو، إِمَّا أَنْ يُلْحِقَ النَّسَبِ بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا بِغَيْرِهِ.

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنْ يُلْحِقَهُ بِنَفْسِهِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أُمُورٌ.

الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ، فَيَكُونُ مَا يَدَّعِيهِ مُمْكِنًا. فَلَوْ كَانَ فِي سِنٍّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا لِلْمُسْتَلْحِقِ، فَلَا اعْتِبَارَ بِإِقْرَارِهِ. فَلَوْ قَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ وَمَعَهَا صَبِيٌّ، وَادَّعَاهُ مُسْلِمٌ، لَحِقَهُ إِنِ احْتَمَلَ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهَا، أَوْ أَنَّهَا قَدِمَتْ إِلَيهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَلْحَقْهُ.

الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مَشْهُورَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ بِهِ أَمْ كَذَّبَهُ.

الثَّالِثُ: أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُقَرُّ بِهِ إِنْ كَانَ مُعْتَبَرَ التَّصْدِيقِ. فَإِنِ اسْتَلْحَقَ بَالِغًا فَلَمْ يُصَدِّقْهُ، لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، حَلَفَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الْمُدَّعِي وَثَبَتَ نَسَبُهُ. وَكَذَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: أَنْتَ أَبِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ بِيَمِينِهِ. أَمَّا إِذَا اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ حَتَّى يَرِثَ مِنْهُ الصَّغِيرُ لَوْ مَاتَ، وَيَرِثُ هُوَ الصَّغِيرَ إِنْ مَاتَ. وَإِنِ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا، فَلَمَّا بَلَغَ كَذَّبَهُ، فَوَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَنْدَفِعُ النَّسَبُ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَنْدَفِعُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَحْتَاطُ لَهُ فَلَا يَنْدَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ. فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ الْمُقَرُّ لَهُ تَحْلِيفَهُ، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ، لَمْ يُقْبَلْ، فَلَا مَعْنَى لِتَحْلِيفِهِ. وَلَوِ اسْتَلْحَقَ مَجْنُونًا، فَأَفَاقَ وَأَنْكَرَ، فَعَلَى الَوَجْهَيْنِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015