فَرْعٌ
إِذَا اقْتَرَضَ مِثْلِيًّا، رَدَّ مِثْلِيًّا، وَإِنْ رَدَّ مُتَقَوِّمًا، فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ يَرُدُّ مِثْلَهُ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ. وَالثَّانِي: يَرُدُّ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْقَبْضِ إِنْ قُلْنَا: يُمَلَّكُ بِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: بِالتَّصَرُّفِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: تَجِبُ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنَ الْقَبْضِ إِلَى التَّصَرُّفِ. وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ، أَوْ صِفَةِ الْمِثْلِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَقْرِضِ.
قُلْتُ: قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ، لَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُكَ أَلْفًا وَقَبِلَ وَتَفَرَّقَا، ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفًا، فَإِنْ لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ، جَازَ، وَإِلَّا، فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ. وَإِذَا جَوَّزْنَا إِقْرَاضَ الْخُبْزِ، فَهَلْ يَرُدُّ الْمِثْلَ أَوِ الْقِيمَةَ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ. فَإِنْ قُلْنَا: الْقِيمَةَ، فَشَرَطَ الْخُبْزَ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالرِّفْقِ.
قَالَ الشَّاشِيُّ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ: إِذَا أَهْدَى الْمُسْتَقْرِضُ لِلْمُقْرِضِ هَدِيَّةً، جَازَ قَبُولُهَا بِلَا كَرَاهَةٍ، هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَرِهَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ. قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ أَنْ يَرُدَّ أَجْوَدَ مِمَّا أَخَذَ، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُقْرِضِ أَخْذُ ذَلِكَ. وَلَوْ أَقْرَضَهُ نَقْدًا، فَأَبْطَلَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِهِ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا النَّقْدُ الَّذِي أَقْرَضَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَيْضًا ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي الْبَيْعِ.
وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَقْرِضْنِي عَشْرَةً، فَقَالَ: خُذْهَا مِنْ فُلَانٍ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ، لَا يَكُونُ قَرْضًا، بَلْ هَذَا تَوْكِيلٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ، فَبَعْدَ الْقَبْضِ لَا بُدَّ مِنْ قَرْضٍ جَدِيدٍ. وَلَوْ كَانَتِ الْعَشْرَةُ فِي يَدِ فُلَانٍ مُعِيَّنَةً، وَدِيعَةً أَوْ غَيْرَهَا، صَحَّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.