وَإِذَا خَالَفَ مَا ذَكَرَهُ، فَفِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ مَا سَبَقَ فِي قِسْمِ الْمَعْصِيَةِ. وَادَّعَى صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» أَنَّ الظَّاهِرَ هُنَا وُجُوبُهَا.
النَّوْعُ الثَّانِي: الْعِبَادَاتُ الْمَقْصُودَةُ، وَهِيَ الَّتِي شُرِعَتْ لِلتَّقَرُّبِ بِهَا. وَعُلِمَ مِنَ الشَّارِعِ الِاهْتِمَامُ بِتَكْلِيفِ الْخَلْقِ إِيقَاعَهَا عِبَادَةً، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَالِاعْتِكَافِ وَالْعِتْقِ، فَهَذِهِ تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ الْإِمَامُ: وَفُرُوضُ الْكِفَايَةِ الَّتِي يُحْتَاجُ فِي أَدَائِهَا إِلَى بَذْلِ مَالٍ أَوْ مُقَاسَاةِ مَشَقَّةٍ، تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ أَيْضًا، كَالْجِهَادِ وَتَجْهِيزِ الْمَوْتَى. وَيَجِيءُ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَذْرِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَجْهُ: أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ. وَعَنِ الْقَفَّالِ: أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْجِهَادَ، لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ بَذْلُ مَالٍ، وَلَا كَبِيرُ مَشَقَّةٍ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لُزُومُهَا بِالنَّذْرِ أَيْضًا.
فَرْعٌ:
كَمَا يَلْزَمُ أَصْلُ الْعِبَادَةِ بِالنَّذْرِ، يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالصِّفَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِيهَا إِذَا شُرِطَتْ فِي النَّذْرِ، كَمَنَ شَرَطَ فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ إِطَالَةَ الْقِيَامِ، أَوِ الرُّكُوعِ أَوِ السُّجُودِ. أَوْ شَرَطَ الْمَشْيَ فِي الْحَجَّةِ الْمُلْتَزَمَةِ إِذَا قُلْنَا: الْمَشْيُ فِي الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنَ الرُّكُوبِ، فَلَوْ أُفْرِدَتِ الصِّفَةُ بِالنَّذْرِ، وَالْأَصْلُ وَاجِبٌ شَرْعًا، كَتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْفَرَائِضِ، أَوْ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ مَثَلًا سُورَةَ كَذَا، أَوْ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ فِي جَمَاعَةٍ، فَالْأَصَحُّ: لُزُومُهَا؛ لِأَنَّهَا طَاعَةٌ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِئَلَّا تُغَيَّرَ عَمَّا وَضَعَهَا الشَّرْعُ عَلَيْهِ. وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، كَالْوِتْرِ، وَسُنَّةِ الْفَجْرِ، وَالظُّهْرِ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ، فَوَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا، وَبِهِ قُطِعَ فِي الْوَجِيزِ، وَنَقَلَهُ إِبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ: لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ، وَلَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ يُبْطِلُ رُخْصَةَ الشَّرْعِ. وَالثَّانِي، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ «التَّهْذِيبِ» : انْعِقَادُهُ وَلُزُومُ الْوَفَاءِ كَسَائِرِ الْمُسْتَحَبَّاتِ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ، فِيمَنْ نَذَرَ إِتْمَامَ الصَّلَاةِ