الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمَنْذُورُ. الْمُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ: مَعْصِيَةٌ، أَوْ طَاعَةٌ، أَوْ مُبَاحٌ. فَالْمَعْصِيَةُ، كَنَذْرِ شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوِ الزِّنَا، أَوِ الْقَتْلِ، أَوِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْحَدَثِ، أَوِ الصَّوْمِ فِي حَالِ الْحَيْضِ، أَوِ الْقِرَاءَةِ حَالَ الْجَنَابَةِ، أَوْ نَذْرِ ذَبْحِ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ، فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلِ الْمَعْصِيَةَ الْمَنْذُورَةَ، فَقَدْ أَحْسَنَ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَحَكَى الرَّبِيعُ قَوْلًا فِي وُجُوبِهَا. وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ لِلْحَدِيثِ: لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. قَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ نَذْرُ اللَّجَاجِ. قَالُوا: وَرِوَايَةُ الرَّبِيعِ مِنْ كِيسِهِ. وَحَكَى بَعْضُهُمُ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ.

قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ، ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ، وَإِنَّمَا صَحَّ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الطَّاعَةُ فَأَنْوَاعٌ:

أَحَدُهَا: الْوَاجِبَاتُ، فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهَا؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ، فَلَا مَعْنَى لِالْتِزَامِهَا، وَذَلِكَ كَنَذْرِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يَشْرَبَ الْخَمْرَ، وَلَا يَزْنِيَ. وَسَوَاءٌ عَلَّقَ ذَلِكَ بِحُصُولِ نِعْمَةٍ، أَوِ الْتَزَمَهُ ابْتِدَاءً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015